هذا قالوا: ما رأينا أعظم شؤمًا من هذا الرجل، نقصت ثمارنا ومزارعنا، وغلت أسعارنا منذ قدم، كما قال تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}؛ أي: جدوبة وشدة وغلاء سعر .. {يَقُولوُا}؛ أي: يقول اليهود والمنافقون {هَذِهِ} السيئة {مِنْ عِنْدِكَ}؛ أي: هذه من شؤم محمَّد وأصحابه؛ أي: وإن تصبهم نعمة .. نسبوها إلى الله تعالى، وإن تصبهم بلية .. أضافوها إليك، كما حكى الله عن قوم موسى بقوله:{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيئةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}، وعن قوم صالح بقوله:{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}، وهذا زعم باطل منهم، فكل من النعمة والبلية من عند الله تعالى، خلقًا وإيجادًا، يقع في ملكه بحسب السنن التي وضعها، والأسباب والمسببات التي أوجدها، {قُلْ} أجبهم يا محمد ردًّا لزعمهم الباطل، وإرشادًا لهم إلى الحق:{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}؛ أي: كل واحدة من النعمة والبلية من جهة الله تعالى خلقًا وإيجادًا، من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شيء منهما بوجه من الوجوه كما تزعمون، بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلًا، ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلي عقوبة له، {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ}؛ أي: وإذا كان الأمر كذلك .. فأي شيء حصل لهؤلاء اليهود والمنافقين؛ وماذا دهاهم في عقولهم حالة كونهم {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}.
أي: لا يقربون أن يفهموا حديثًا من الأحاديث أصلًا، فقالوا ما قالوه، إذ لو فهموا شيئًا من ذلك .. لفهموا أن الكل من عند الله تعالى، فالنعمة منه تعالى بطريق التفضل، والبلية منه تعالى بطريق العقوبة على ذنوب العباد، عدلًا منه تعالى، والاستفهام هنا تعجبي مضمن معنى الإنكار.
وإذا (١) كانوا قد حرموا هذا الفقه من كل حديث .. فما أحراهم أن يحرموه من حديث يبلغه الرسول عن ربه، في الإخبار عن نظم الاجتماع، وارتباط الأسباب بالمسببات، وعما أحاط الله به المصطفين الأخيار من وافر الفضل، وخصهم به من جميل الرعاية، فتلك الحكم العالية لا تُنال إلا بفضل الروية،