للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنه لا فائدة فيه؛ لأنه لا منجا ولا ملجأ من الموت، سواء أكان بقتل أم بغيره، فلا فائدة في خور الطبع وحب الحياة، وقال زهير:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ ... ولَوَ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بسُلَّمِ

وقرأ طلحة بن سليمان (١): {يدركُكُم} برفع الكافين، وخرجه أبو الفتح على حذف فاء الجواب؛ أي: فيدرككم الموت، أو على أنه كلام مستأنف، وأينما متصل بلا تظلمون، وهي قراءة ضعيفة.

والخلاصة (٢): أن الموت أمر محتم لا مهرب منه، فهو لا بد أن يدرككم في أي مكان، ولو تحصنتم في شواهق القصور التي يسكنها ذوو الثراء والنعمة، أو في القلاع والحصون التي تقطنها حامية الجند، وإذا كان الموت لا مفر منه، وكان المرء قد يقتحم غمار الوغى ولا يصاب بالأذى، وقد يموت المعتصم في البروج والحصون، وهو في غضارة العيش .. فلا عذر لكم أيها المثبطون المبطئون، ولماذا تختارون لأنفسكم الحقير على العظيم، ولماذا لا تدافعون عن الحق وتمنعون الشر أن يفشو، حتى تستحقوا مرضاة الله وسعادة الآخرة، ولماذا تكرهون القتال وتجبنون، وتخافون الناس وتتمنون البقاء، أليس هذا بضعف في الدين، وركة في العقل، وخورًا في العزيمة، تؤاخذون بها، وتقوم عليكم بها الحجة.

ثم ذكر سبحانه وتعالى شأنًا آخر من شؤونهم، أشد دلالة على الحمق وضعف العقل ومرض القلب، فقال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ}؛ أي: اليهود والمنافقين {حَسَنَةٌ}؛ أي: خصب ورخص السعر وتتابع الأمطار، {يَقُولُوا هَذِهِ} الحسنة {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} تعالى، قال المفسرون: كانت المدينة مملوءة من النعم وقت مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما ظهر عناد اليهود والمنافقين على دعائه إياهم إلى الإيمان .. أمسك الله عنهم بعض الإمساك، كما جرت عادته تعالى في جميع الأمم، فعند


(١) البحر المحيط والبيضاوي.
(٢) المراغي.