للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تقصيرٌ في ذلك بل هو شأنهم وديدنهم {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}؛ أي: أحبوا وتمنوا عنتكم ومشقتكم وضرركم في دينكم، ودنياكم أشد الضرر أي؛ فإن الكفار لا يقصرون لكم في إفساد دينكم، فإن عجزوا عنه أحبوا بقلوبهم إلقاءَكم في أشد أنواع الضرر {قَدْ بَدَتِ} وظهرت {الْبَغْضَاءُ} والعداوة لكم {مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} وألسنتهم بالوقيعة في أعراضكم والشتيمة لكم، والتكذيب لنبيكم وكتابكم، والنسبة لكم إلى الحمق والجهل لأنهم لا يتمالكون ضبط أنفسهم مع مبالغتهم في ضبطها، ومع ذلك يتفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغض المسلمين، فهم لا يكتفون ببغضكم، وقرأ عبد الله {قَدْ بَدَا} لأنَّ الفاعل مؤنث مجازًا، أو على معنى البغض {وَمَا تُخْفِي} وتستر وتضمر {صُدُورُهُمْ} وقلوبهم من الحقد والبغض والعداوة والغيظ لكم {أَكْبَرُ}؛ أي: أعظم وأشد مما يظهرونه لكم على ألسنتهم؛ لأنَّ فلتات اللسان أقل مما تجنه الصدور بل تلك الفلتات بالنسبة إلى ما في الصدور قليلةٌ جدًّا. ثم إنه سبحانه وتعالى امتنَّ عليهم ببيان الآيات، والعلامات الدالة على عداوتهم كما قال: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ}؛ أي: أوضحنا وأظهرنا لكم العلامات الدالة على عدواتهم وحسدهم لكم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} وتفهمون تلك العلامات أي: إن كنتم من أهل العقول المدركة لذلك البيان.

وذكر (١) سبحانه وتعالى في هذه الآية من تلك العلامات أربعًا:

الأولى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}؛ أي: لا يقصرون في مضرتكم وإفساد الأمر عليكم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.

والثانية: يتمنون ضركم في دينكم، ودنياكم أشد الضرر.

والثالثة: يبدون البغضاء بأفواههم، ويظهرون تكذيب نبيكم وكتابكم، وينسبونكم إلى الحمق والجهل.

والرابعة: كون ما يظهرونه على ألسنتهم من علامات الحقد أقل مما في قلوبهم منه.


(١) المراغي.