للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رجل، بعد ما مكثوا ميّتين يوما وليلة؛ وذلك لإظهار آثار القدرة؛ وليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم، ولو ماتوا بآجالهم لم يحيوا إلى يوم القيامة.

وقيّد البعث بقوله (١): {مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} مع أنه إنما يكون بعد الموت، لما أنه قد يكون من الإغماء، أو من النوم. قال قتادة: أحياهم، ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم، وكان ذلك الموت بلا أجل، وكانت تلك الموتة لهم، كالسّكتة لغيرهم قبل انقضاء آجالهم، ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة. اه.

فإن قلت: كيف يجوز أن يكلّفهم، وقد أماتهم؟ فإن جاز ذلك، فلم لا يجوز أن يكلف أهل الآخرة إذا بعثوا بعد الموت؟.

قلنا: الذي يمنع من تكليفهم في الآخرة، هو الإماتة ثم الإحياء، وإنما منع ذلك من التكليف، لأنه قد اضطرهم يوم القيامة إلى معرفته ومعرفة ما في الجنة من اللذات، وما في النار من الآلام، وبعد العلم الضروري لا تكليف، فإذا كان المانع هو هذا، لم يمتنع في هؤلاء الذين أماتهم الله بالصعقة، أن لا يكون قد اضطرهم، وإذا كان كذلك صحّ أن يكلفوا من بعد، ويكون موتهم، ثم الإحياء بمنزلة النوم، أو بمنزلة الإغماء {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: لكي تشكروا الله سبحانه وتعالى، نعمة إحيائه لكم بعد موتكم بالصاعقة بالتوحيد والطاعة، أو لعلكم تشكرون وقت مشاهدتكم بأس الله بالصاعقة، نعمة الإيمان التي كفرتموها بقولكم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} فإن ترك النعمة لأجل طلب الزيادة كفران لها؛ أي: لعلكم تشكرون نعمة الإيمان، فلا تعودون إلى اقتراح شيء بعد ظهور المعجزة.

وفي «المراغي» (٢): يرى بعض المفسرين: أن الله أحياهم بعد أن وقع فيهم الموت بالصاعقة، أو غيرها؛ ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم، وكانت تلك الموتة لهم كالسكتة القلبيّة لغيرهم. ويرى آخرون، أن المراد بالبعث: كثرة النسل؛ أي: إنه بعد أن وقع فيهم الموت بشتّى الأسباب، وظنّ أنهم ينقرضون، بارك الله في


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.