نسلهم؛ ليعدّ الشعب بالبلاء السابق، للقيام بحقّ الشكر على النعم التي تمتّع بها الآباء الذين حلّ بهم العذاب بكفرهم لها. وإنما قصّ الله سبحانه علينا هذا القصص، ووجهه إلى من كان من اليهود في عصر التنزيل؛ لبيان وحدة الأمة، وأن ما يبلوها به من الحسنات والسيئات، وما يجازيها به من النعم والنقم، إنما هو لمعنى فيها يسوّغ أن يخاطب اللاحق منها بما كان للسابق، كأنّه وقع منه، ليعلم الناس أنّ الأمم متكافلة، سعادة الفرد منها، مرتبطة بسعادة سائر الأفراد، وشقاؤه بشقائهم، ويتوقّع نزول العقوبة به إذا فشت الذنوب في الأمة، وإن لم يفعلها هو، كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وفي هذا التكافل رقيّ الأمة، وتقدمها في المدنية والحضارة، إذ يحملها على التعاون في البأساء والضراء، فتحوز قصب السبق بين الأمم. وأصل (١) هذه القصة: أنّ موسى عليه السلام، لمّا رجع من الطور إلى قومه، فرأى ما هم عليه من عبادة العجل، وقال لأخيه والسامري ما قال، وأحرق العجل وألقاه في البحر، وندم القوم على ما فعلوا، وقالوا:{لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} أمر الله سبحانه موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين من قومه من خيارهم، فلما خرجوا إلى الطور، قالوا لموسى: سل ربنا حتى يسمعنا كلامه؟ فسأل موسى عليه السلام ذلك، فأجابه الله، ولما دنا من الجبل، وقع عليه عمود من الغمام، وتغشّى الجبل كله، ودنا من موسى ذلك الغمام حتى دخل فيه، وقال للقوم: ادخلوا، فكلم الله موسى يأمره وينهاه، وكلما كلمه تعالى أوقع على جبهته نورا ساطعا، لا يستطيع أحد من السبعين النظر إليه، وسمعوا كلامه تعالى مع موسى، افعل لا تفعل، فعند ذلك طمعوا في الرؤية، وقالوا ما قالوا، فأخذتهم الصاعقة، فخرّوا صعقين ميتين يوما وليلة، فلمّا ماتوا جميعا، جعل موسى يبكي ويتضرّع رافعا يديه إلى السماء يدعو، ويقول: يا إلهي! اخترت من بني إسرائيل سبعين رجلا ليكونوا شهودي بقبول توبتهم، وماذا أقول لهم إذا أتيتهم، وقد