وَالْإِنْسِ}؛ أي: خلقا كثيرا منهما لسكنى جهنم، والمقام فيها، وهم الذين حقت كلمة العذاب عليهم، وخلقنا للجنة مثل ذلك بمقتضى استعداد الفريقين كما قال:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وقال: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. ومن خلقه للنار فلا حيلة له في الخلاص منها؛ أي: خلق خلقا كثيرا من النوعين لسكنى جهنم بحكم القبضة الإلهية حين قبض قبضة وقال: هذه للجنة ولا أبالي، وقبض قبضة وقال: هذه للنار ولا أبالي، وقوله:{كَثِيرًا} يؤخذ منه أن أهل النار أكثر من أهل الجنة، وهو كذلك لما ورد من أنه من كل ألف واحد للجنة والباقي للنار، ثم بين سبب كونهم معدين لجهنم، وصفاتهم المؤهلة لذلك فقال:{لَهُمْ}؛ أي: لأولئك الكثير {قُلُوبٌ} وعقول {لا يَفْقَهُونَ بِها}؛ أي: لا يعقلون ولا يفهمون بها الخير والهدى؛ أي: إنّهم لا يفقهون بقلوبهم ما تزكو به أنفسهم من توحيد الله، المبعد لها عن الخرافات والأوهام، وعن الذلة والصغار؛ فإن من يعبد الله تعالى وحده .. تسمو نفسه بمعرفته، فلا تذل بدعاء غيره، ولا الخوف منه ولا الرجاء فيه، والاتكال عليه، بل يطلب من الله ما يحتاج إليه، فإن كان مما أقدر الله عليه خلقه بإعلامهم بأسبابه، وتمكينهم منها .. طلبه بسببه مع مراعاة سننه في خلقه، وإن لم يكن كذلك .. توجه إلى الله لهدايته إلى العلم بما لم يعلم من سببه، وإقداره على ما يقدر عليه من وسائله، أو تسخير من شاء من خلقه لمساعدته عليه، كالأطباء لمداواة الأمراض، وأقوياء الأبدان لرفع الأثقال، والعلماء الراسخين للفتوى في المسائل العلمية، وحل إشكال ما غمض من حقيقتها.
{وَلَهُمْ}؛ أي: ولأولئك الكثير {أَعْيُنٌ} وأبصار {لا يُبْصِرُونَ بِها} إبصار تأمل وتفكر في مصنوعات الله {وَلَهُمْ آذانٌ} وأسماع {لا يَسْمَعُونَ بِها} سماع اعتبار واتعاظ في مصنوعاته؛ أي: فهم لا يفهمون بقلوبهم، ولا يبصرون بأعينهم، ولا يسمعون بآذانهم ما يرجع إلى مصالح الدين؛ أي: وكذلك لهم أبصار وأسماع لا يوجهونها إلى التأمل والتفكر فيما يرون من آيات الله في خلقه، وفيما يسمعون من آياته المنزلة على رسله، ومن أخبار التاريخ الدالة على سنته في خلقه، فيهتدوا بكل منها إلى ما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، فالآذان إنّما خلقت للإنسان ليستفيد من كل ما يسمع، والأبصار إنّما خلقت لينتفع بكل ما يبصر، وإنّما يكون