للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك بتوجيه الإرادة والقصد إلى استعمال كل منهما فيما خلق له، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧)}.

وا أسفا للمسلمين أصبحوا اليوم أشد الناس إهمالا لاستعمال أسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم في النظر في آيات الله في الأنفس والآفاق، وصاروا أجهل الشعوب بالعلوم التي تعرف بها آياته في مشاعر الإنسان، وانفعالاته النفسية، وقواه العقلية، وآياته في الحيوان والنبات، والجماد والهواء، والماء والبخار، وسنن النور والكهرباء، والعلوم الفلكية. ومن أصاب منهم حظا من معرفتها فإنّما يعرفها للانتفاع بها في الحياة الدنيا، من غير مراعاة أنّها آيات دالة على أن لها ربا خالقا مدبرا عليما قديرا رحيما، يجب أن يعبد وحده وأن يخشى ويحب فوق كل أحد، وأن تكون معرفته منتهى كل غاية من هذه الحياة {أُولئِكَ} الموصوفون بما ذكر من الصفات {كَالْأَنْعامِ} من إبل وبقر وغنم، فهم لا حظ لهم من عقولهم إلا استعمالها فيما يتعلق بمعيشهم في هذه الحياة. {بَلْ هُمْ}؛ أي: بل هؤلاء الموصوفون بالصفات المذكورة {أَضَلُّ} وأجهل وأخطأ من الأنعام؛ لأنّها تعرف صاحبها وتطيعه، وهؤلاء الكفار لا يعرفون ربهم ولا يطيعونه؛ أي: بل هم أضل سبيلا منها، إذ هذه البهائم لا تجني على أنفسها بتجاوز سنن الفطرة وحدود الحاجة الطبيعية في أكلها وشربها، وجمع حاجاتها، لكن عبيد الشهوات يسرفون في كل ذلك إسرافا عظيما، قد تتوالد منه الأمراض الكثيرة، كما قد يجاهدون هذه الشهوات جهادا يفرطون فيه بحقوق البدن، فلا يعطونه ما يكفيه من الغذاء، ويقصرون في الحقوق الزوجية، فيجنون على أشخاصهم وعلى النوع كله بالتفريط، كما يجني عليهما عبيد الشهوات بالإفراط، وهداية الإسلام تحظر هذا وذاك، وتوجب الأكل من الطيبات بشرط عدم الإسراف، ولو سلكوا مسلك الإهتداء بالقرآن في فهم أسرار الخلق، ومعرفة منافعه .. لاستفادوا السعادة في معاشهم، والاستعداد لمعادهم {أُولئِكَ} المذكورون {هُمُ الْغافِلُونَ} والساهون عما فيه صلاحهم في الحياتين، أو عما أعد الله لأوليائه من الثواب، ولأعدائه