للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في نصر الله وطاعته، وازدياد الخير، ومعنى الصبر الحبس، يقال: صبرت نفسي على كذا؛ أي: حبستها. ثم وصفهم بإقامة الصلاة؛ أي: بالإتيان بها في أوقتها على وجه الكمال. فقال: {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} في أوقاتها. أصله والمقيمين الصلاة، والإضافة فيه لفظية؛ أي: والمؤدين حقه تعالى فيما أوجبه عليهم من فريضة الصلاة في الأوقات التي حددها. ثم وصفهم بالإنفاق، فقال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} في وجوه الخيرات، وقدم (١) المفعول إشعارًا بكونه أهم، كأنه قيل: ويخصون بعض المال الحلال بالتصدق به، والمراد به إما الزكاة المفروضة لاقترانها بالصلاة المفروضة، أو مطلق ما ينفق في سبيل الله، لوروده مطلق اللفظ، من غير قرينة الخصوص.

والمعنى: أي وينفقون بعض ما آتاهم الله، من طيب الرزق في وجوه البر، وعلى أهليهم وأقاربهم، وعلى الخلق كافة، ومن ذلك إهداء الهدايا التي يغالون في أثمانها.

وقرأ الجمهور (٢): {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} بالخفض على الإضافة، وحذفت النون لأجلها وقرأ ابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو في رواية {الصلاة} بالنصب على توهم بقاء النون وحذفت النون لأجلها. وقرأ ابن مسعود والأعمش {والمقيمين} بالنون {الصلاة} بالنَّصْب. وقرأ الضحاك {والمقيم الصلاة}.

وناسب (٣) تبشير من اتصف بالإخبات هنا؛ لأن أفعال الحج من نزع الثياب والتجرد من المخيط وكشف الرأس والتردد في تلك المواضع الغبرة المحجرة، والتلبس بأفعال شاقةٍ، لا يعلم معناها إلا الله تعالى، مؤذن بالاستسلام المحض، والتواضع المفرط حيث يخرج الإنسان عن مألوفه إلى أفعال غريبة، ولذلك وصفهم بالإخبات والوجل إذا ذكر الله تعالى، والصبر على ما أصابهم من المشاق، وإقامة الصلوات في مواضع لا يقيمها إلا المؤمنون المصطفون،


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.