يقول الفقير: يخالفه سلامهم، فإنّ المسلم لا بد أن يكون من أهل السلم، وقيل: وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب.
{قَالُوا}؛ أي: قالت الملائكة حين أحسبوا بخوفه: {لَا تَخَفْ} منّا، إنا رسل الله سبحانه، وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه، وقيل: مسح جبريل العجل بجناحه، فقام يمشي حتى لحق بأمّه، فعرفهم إبراهيم، وأمن منهم. {وَبَشَّرُوهُ}؛ أي: بشّرت الملائكة إبراهيم، وفي سورة الصافات. {وَبَشَّرْنَاهُ}؛ أي: بواسطتهم {بِغُلَامٍ}؛ أي: بولد يولد له {عَلِيمٍ}؛ أي: كثير العلم في صغره، كثير الحلم في كبره، والمبشّر به عند الجمهور هو إسحاق، ولم تلد له سارة غيره، وقال مجاهد وحده: هو إسماعيل.
ومعنى الآيات:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}؛ أي: هل عندك يا محمد نبأ بما حدث بين إبراهيم وضيوفه من الملائكة الذين وفدوا عليه؟ وهم ذاهبون في طريقهم إلى قوم لوط، فسلّموا عليه، فردّ عليهم التحية بأحسن منها، ثمّ أراد أن يتعرفّ بهم فقال:{إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}؛ أي: إنكم قوم لا عهد لنا بكم من قبل، فعرفوني أنفسكم، من أنتم؟
واستظهر بعض العلماء أنّ هذه مقالة أسرّها إبراهيم في نفسه، أو لمن كان معه من أتباعه وجلسائه من غير أن يشعرهم بذلك؛ لأنّ في خطاب الضيف بنحو ذلك، إيحاشًا له إلى أنه لو كان أراد ذلك .. لكشفوا له أحوالهم، ولم يتصدّ لمقدّمات الضيافة، ثمّ ذكر أنه أسرع في قرى ضيوفه، فقال:{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} إلخ؛ أي: فذهب خفية مسرعًا، وقدّم لضيوفه عجلًا سمينًا أنضجه شيًا، كما جاء في سورة هود:{فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}؛ أي: مشويّ على الرضف. {قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ}؛ أي: قال مستحثًّا لهم على الأكل: ألا تأكلون، وفي هذا تلطّف منه في العبارة، وعرض حسن، وقد انتظم كلامه وعمله آداب الضيافة، إذ جاء بطعام من حيث لا يشعرون، وأتى بأفضل ماله، وهو عجل فتيٌّ شويٌّ، ووضعه بين أيديهم، ولم يضعه بعيدًا منهم حتى يذهبوا إليه، وتلطف في العرض، فقال: {أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}؛ أي: فأعرضوا عن طعامه ولم