والقدر جميعه {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى، وبيده يصرفه كيف يشاء، ويدبره كيف يريد، فكل أمرٍ يقع في العالم فهو بحسب سننه تعالى في الخليقة، ووفق النظام الذي وضعه أولًا، وربط فيه الأسباب بالمسببات، ومن ذلك نصر من ينصره من المؤمنين كما وعد ذلك في قوله:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣)}. وهذه معترضةٌ كما مر آنفًا. وقرأ الجمهور (١){كله} بالنصب تأكيدًا للأمر، وقرأ أبو عمرو، ويعقوب {كله} بالرفع على أنه مبتدأ، ويجوز أن يعرب توكيدًا للأمر على الموضع على مذهب من يجيز ذلك، وهو الجرميُّ والزجاج والفراء. قال ابن عطية: ورجح الناس قراءة الجمهور، لأن التأكيد أملك بلفظة كلٍّ انتهى. ولا ترجيح إذ كل من القراءتين متواترٌ، والابتداء بكلٍّ كثيرٌ، في لسان العرب، وجملة قوله:{يُخْفُونَ} حال من ضمير يقولون، أي: يقولون: هل لنا من الأمر شيء حالة كونهم يخفون، ويضمرون {فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ}، أي: ما لا يستطيعون إعلانه، وإظهاره لك، فهم يظهرون أنهم يسألون مسترشدين طالبين النصر بقولهم:{هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} ويبطنون الإنكار والتكذيب. وجملة قوله:{يَقُولُونَ} مستأنفةٌ استئنافًا بيانيًّا لما يخفون واقعًا في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ما الذي يخفونه؛ فأجاب بقوله: يقول هؤلاء المنافقون في أنفسهم أو بعضهم لبعضٍ {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ} والتدبير والرأي والاختيار {شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا}؛ أي: ما قتل من قتل منا في هذه المعركة، وما غلبنا، يعنون أنهم أخرجوا كرهًا، ولو كان الأمر بيدهم ما خرجوا، أو المعنى يقولون: لو كان أمر النصر والظفر بأيدينا، كما ادَّعى محمد أنَّ الأمر كلَّه لله، ولأوليائه، وأنهم الغالبون لما غلبنا، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة. وهذا منهم تقريرٌ لرأيهم، واستدلالٌ عليه بما وقع لهم، وقد غفلوا عن أنَّ الآجال محدودةٌ، والأعمار موقوتة بوقت لا تعدوه، ومن ثم أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبهم ويرد عليهم بقوله:{قُلْ} لهم يا محمد {لَوْ كُنْتُمْ} ومكثتم {فِي بُيُوتِكُمْ} ومنازلكم ولم تخرجوا من المدينة إلى أحدٍ للقتال كما تقولون {لَبَرَزَ}