غلبوا هذه المرة بسبب ما أصابهم من الفشل والتنازع وعصيان الرسول، فإن الله سينصرهم بعد، فأنزل الله عليهم النعاس أمنةً حتى يستردوا ما فقدوا من قوة، ويذهب عنهم ما عرض لهم من ضعف.
والثاني منهما: فريقٌ أذهلهم الخوف حتى صاروا مشغولين عن كل ما سواهم؛ إذ الوثوق بوعد الله، ووعد رسوله لم يصل إلى قرارة نفوسهم؛ لأنهم كانوا مكذِّبين بالرسول في قلوبهم، لا جرم عظم الخوف لديهم، وحقَّ عليهم ما وصفهم الله به من قوله:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ}، وهذه الجملة حالٌ من ضمير أهمتهم، أي: أهمتهم أنفسهم حالة كونهم يظنون، ويعتقدون في الله سبحانه وتعالى ظنًّا، سيئًا، فاسدًا، وهو عدم نصر الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {غَيْرَ} الظن {الْحَقِّ} أي غير الصدق الذي يجب اعتقاده، وهو نصره محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وقوله:{ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} بدلٌ من غير الحق؛ أي: يظنون في الله ظن أهل الملة الجاهلية؛ إذ كانوا يقولون في أنفسهم: لو كان محمدٌ نبيًّا حقًّا .. ما سلط الله عليه الكفار، وهذا ظن فاسدٌ، وقولٌ باطلٌ لا يقوله إلا أهل الجهل، والشرك بالله تعالى، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا اعتراض لأحدٍ عليه، فإن النبوة خلعةٌ من الله تعالى يشرف بها عبده، وليس يجب في العقل أن الله تعالى إذا شرف عبدًا بخلعةٍ أن يشرفه بخلعة أخرى بل له الأمر والنهي، كيف يشاء بحكم الإلهية.
وجملة قوله:{يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} بدلٌ من {يَظُنُّونَ}، والاستفهام فيه للإنكار، ومن زائدة، أي: يقول بعضهم لبعض على سبيل الإنكار: هل لنا من النصر، والفتح، والظفر الذي وعدنا به محمدٌ نصيبٌ، يعنون أنه ليس لهم من ذلك شيء، قط لأن الله تعالى لا ينصر محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.
فهم قد فهموا أنَّ النصر وحقيّة الدِّين متلازمان، فما حدث في ذلك اليوم دليلٌ على أنَّ هذا الدين ليس بحق، وهذا خطأٌ كبيرٌ، فإن نصر الله رسله لا يمنع أن تكون الحرب سجالًا، ولكن العاقبة للمتقين.
ثم أتى بجملةٍ معترضةٍ بين ما قبلها، وما بعدها، فقال:{قُلْ} يا محمد لهؤلاء المنافقين {إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ}؛ أي: إنَّ النصر، والغلبة، والظفر، والقضاء،