العدو، وطمأنينةً في القلب وقوله:{نُعَاسًا} بدلٌ من {أمنة} بدل كل من كل؛ أي: ثم وهبكم من بعد الغم الذي اعتراكم أمنًا أزال عنكم الخوف الذي كان بكم، حتى نعستم، وغلبكم النوم لتستردوا ما فقدتم من القوة بما أصابكم من القرح، وما عرض لكم من الضعف. والنوم نعمةٌ كبرى لمن يصاب بمثل تلك المصائب، وعنايةٌ من الله يخص بها بعض عباده في مثل تلك المحن، ليخفف وقعها على النفوس. ومعنى الآية: امتنان الله علمهم بأمنهم بعد الخوف والغم بحيث صاروا من الأمن ينامون، وذلك أن شديد الخوف والغم لا يكاد ينام. قرأ الجمهور {أَمَنَةً} بفتح الميم على أنه بمعنى الأمن، أو جمع آمنٍ كبارٍ وبررة. وقرأ النخعيُّ، وابن محيصن {أمنةً} بسكون الميم بمعنى الأمن {يَغْشَى}؛ أي: يغطي، ويأخذ ذلك النعاس {طَائِفَةً مِنْكُمْ}؛ أي: جماعة منكم أيها المسلمون، قال ابن عباس: هم المهاجرون وعامَّةُ الأنصار، الذين كانوا على بصيرةٍ في إيمانهم. قرأ الجمهور {يَغْشَى} بالياء إسنادًا إلى ضمير النعاس، أي: يغشى هو، وقرأ حمزة، والكسائيُّ تغشى بالتاء إسنادًا إلى ضمير، أمنة؛ أي: تغشى هي.
روى البخاري عن أنس عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال: كنت فيمن يغشاهم النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه ويسقط فآخذه.
{وَطَائِفَةٌ}؛ أي: وجماعةٌ من المنافقين كعبد الله بن أبيٍّ، ومعتِّب بن قشير، وأصحابهما {قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ}؛ أي: قد أوقعتهم نجاة أنفسهم وخلاصها في الهموم فلا ينامون، لأن أسباب الخوف، وهي قصد العدو كانت حاصلةً لهم، والدافع لذلك، وهو الوثوق بوعد الله ورسوله غير معتبر عندهم؛ لأنهم كانوا مكذبين بالرسول في قلوبهم، فلذلك عظم الخوف في قلوبهم.
وخلاصة هذا: أنَّ المسلمين بعد انتهاء الموقعة صاروا فريقين:
الأول: فريقٌ ذكروا ما أصابهم، فعرفوا أنه كان بتقصير من بعضهم، وذكروا وعد الله بنصرهم فاستغفروا لذنوبهم، ووثقوا بوعد ربهم، وأيقنوا أنهم إن