للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)}.

{فَلَمَّا أَلْقَوْا} ما ألقوا من حبالهم وعصيهم {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ}؛ أي: قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاؤوا به من التمويه والتخييل الذي يفعله المشعوذون وأهل الخفة؛ أي: خيلوا إليهم ما لا حقيقة له، كما قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى}. {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}؛ أي: استرهبوا الناس وأفزعوهم وأوقعوا في قلبهم الرهب والخوف، وأرهبوهم إرهابا شديدا، حيث خيلوها حيات تسعى {وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} في مظهره، كبير في تأثيره في أعين الناس، يخافه كل من رآه، قال ابن كثير: أي: خيلوا إلى الأبصار أنّ ما فعلوه له حقيقة في الخارج، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ألقوا حبالا غلاظا، وخشبا طوالا، فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وهذا هو السحر الذي هو محض تخييل في عين الرائي، والشيء المسحور حقيقته على ما هي عليه لم تقلب، وأما المعجزة ففيها قلب حقيقة الشيء - كالعصا - حيث صارت حية، هذا هو الفارق بين السحر والمعجزة اه. «خازن».

قال ابن إسحاق (١): صف خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه، وفرعون في مجلسه مع أشراف مملكته، فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى رجل منهم ما في يده من العصيّ والحبال، فإذا هي حيات كأمثال الجبال - قد ملأت الوادي - يركب بعضها بعضا، وكانت سعة الأرض ميلا في ميل، فصارت كلها حيات، قيل (٢): إنّهم أتوا بالحبال والعصي ولطخوا تلك الحبال بالزئبق، وجعلوا الزئبق في دواخل تلك العصي، فلما أثّر تسخين الشمس فيها .. تحركت والتوى بعضها على بعض، وكانت كثيرة جدا، فالناس تخيلوا أنها تتحرك وتلتوي باختيارها وقدرتها {اسْتَرْهَبُوهُمْ}؛ أي: بالغوا في تخويف عظيم للعوام من حركات تلك الحيات والعصي، وخاف موسى أن يتفرقوا قبل ظهور معجزته، فكان خوفه لأجل فزع الناس واضطرابهم مما رأوه من أمر تلك الحيات، وليس خوفه لأجل سحرهم؛


(١) الطبري.
(٢) المراح.