أخرج ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كلمتان قالهما فرعون، قوله:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} وقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} كان بينهما أربعون سنة، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى".
وخلاصة مقاله (١): لا علم لي برب غيري فتعبدوه، وتصدقوا قول موسى فيما جاءكم به، من أن لكم وله ربًا غيري، ومعبودًا سواي، ونحو الآية قوله: {فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)} وقوله: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)}.
قال الرازي: ليس مراده من ادعاء الألوهية أنه خالق السموات والأرض، والبحار والجبال، وخالق الناس، فإن العلم بامتناع ذلك واضح لكل ذي عقل، بل مراده بذلك وجوب عبادته فهو ينفي وجود الإله، ويقول لا تكليف على الناس إلا أن يطيعوا مليكهم، وينقادوا لأمره. اهـ بتصرف.
ثم خاطب وزيره هامان، آمرًا له على سبيل التهكم أمام موسى، ليشكك قومه في صدق مقالته، فقال:{فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} وهو التراب والماء المختلط؛ أي: أوقد النار على الطين بعد اتخاذه لبنًا، حتى يصير آجرًا، ولم يقل فرعون: اطبخ لي الآجر, لأنه أول من عمل الآجر، ولذلك أمره باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة.
{فَاجْعَلْ لِي} من ذلك الطين الذي توقد عليه حتى يصير آجرًا {صَرْحًا}؛ أي: قصرًا عاليًا مشرفًا كالمنارة {لَعَلِّي} أصعد إليه و {أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} وانظر إليه واقفًا عليه؛ أي: فاصنع لي آجرًا، واجعل لي منه قصرًا شامخًا، وبناء عاليًا، أصعد وأرتقي إلى إله موسى، الذي يعبده في السماء، ويدَّعي أنه يؤيده وينصره، وهو الذي أرسله إلينا. وبمعنى الآية قوله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي