لهم، فيما يحيق بهم من العذاب، ثم ذكر أنه قدير على أن يعجل لهم العذاب، ولكنه أخره ليوم معلوم، ثم أرشده إلى الترياق النافع في مخالطة الناس، وهو إحسان المرء إلى من يسيء إليه، حتى تعود عداوته صداقةً، وعنفه لينًا، كما قال:
ثم أمره أن يستعيذ من حيل الشياطين، وأن يحضروه في أي عمل من أعماله، ولا يكون كالكافرين الذين قبلوا همزها، وأطاعوا وسوستها حتى إذا ما حان وقت الاحتضار، تمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا صالحًا، وأنه لا يسمع لمثل هؤلاء دعاء، فإنه لا رجعة لهم بعد هذا، وأمامهم حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا إلى يوم البعث.
قوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر أن وراء الرجوع إلى الدنيا حاجزًا إلى يوم القيامة .. أعقب ذلك بذكر أحوال هذا اليوم، فبين أنه عند البعث وإعادة الأرواح في الأجسام، لا تنفع الأحساب، ولا يسأل القريب قريبه، وهو يبصره، وأن من رجحت حسناته على سيئاته، فاز ونجا من النار، ودخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته خاب وهلك، وأدخل النار خالدًا فيها أبدًا، وكان عابس الوجه متقلص الشفتين من شدة الاحتراق، وأنه يقال: لأهل النار توبيخًا لهم على ما ارتكبوا من الكفر والآثام، ألست قد أرسلت إليكم الرسل، وأنزلت عليكم الكتب، فيقولون: بلى، ولكنا لم ننقد لها ولم نتبعها فضللنا، ربنا ارددنا إلى دار الدنيا، فإن نحن عدنا فإنا ظالمون مستحقون العقوبة، فيجيبهم ربهم: أمكثوا في النار صاغرين أذلاء، ولا تعودوا إلى سؤالكم هذا إنكم كنتم تستهزئون بعبادي المؤمنين، وكنتم منهم تضحكون، إنهم اليوم هم الفائزون، جزاء صبرهم على أذاكم واستهزائكم بهم.
قوله تعالى:{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر إنكارهم للبعث، وأنهم لا يعترفون بحياة إلا ما كان في هذه الدنيا، وأنه بعد الفناء لا حياة، ولا إعادة ..