قريش:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وهو في نفسه، خال عما يوصف به الرجال من الفصاحة والبلاغة، وكان الأنبياء كلهم فصحاء بلغاء، قاله افتراءً على موسى، وتنقيصا له في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه من نوع رتة، حدثت بسبب الجمرة، وقد كانت ذهبت عنه لقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (٣٦)} والرتة: غير اللثغة، وهي حبسة في اللسان، تمنعه من الجريان، وسلاسة التكلم، واللثغة: إبدال حرف بحرف، كإبدال الراء غينًا، والسين ثاء مثلثة. وفي "التأويلات النجمية": تشير الآية، إلى أن من تعزز بشيء من دون الله، فحتفه وهلاكه في ذلك الشيء، فلما تعزز فرعون بملك مصر، وجري النيل بأمره، كان فيه هلاكه، وكذلك من استصغر أحدًا سلط عليه، كما أو فرعون استصغر موسى عليه السلام وحديثه، وعابه بالفقر واللكنة، فقال:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ}، فسلطه الله عليه، وكان هلاكه على يديه، وفيه إشارة أخرى، وهي أن قوله:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ}، هو من خصوصية صفة إبليس، فكانت هذه الصفة توجد في فرعون، وكان من صفة فرعون قوله:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، ولم توجد هذه الصفة في إبليس، وقرأ الباقر {يبين} بفتح الياء، من بان إذا ظهر.
والمعنى (١): أي بل أنا ولا شك خير وأفضل بما لي من الملك والسلطة والسعة والجاه من هذا؛ أي: من موسى الذي هو ضعيف، حقير ممتهن في نفسه، لا عز له، ولا يكاد يبين الكلام، ويفصح عما يريد، لما في لسانه من العقدة بسبب الجمرة، وهذا حكم عليه بما يعلى منه في الماضي، دون أو يعلم أو الله الكريم، أزال عنه عقدته حين دعاه، فقال: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)} فحل عقدة لسانه، كما جاء في قوله:{قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}.
قال الحسن البصري: إنه قد بفتح منها شيء، يسأل زواله، وإنما سأل زوال ما يمنع الإبلاغ والإفهام اهـ. والأشياء الخلقية لا يعاب بها المرء ولا يذم،