ودلَّ ما ذكر على أنَّ جِهارَ الفسق فوقَ إخفائِه، ولذا رد شهادة الفاسق المعلن.
وفي الحديث:"كل أمتي معافى إلا المجاهرون"، أي: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافَون، بل يؤخذون في الدنيا إن كانت مما يتعلَّق بالحدود، وأما في الآخرة فمطلقًا.
فلما جاؤوا إلى لوط، وقصدوا أضيافَهُ لذلك العمل، قام إليهم لوط مدافعًا و {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ} مبتدأ خبره {بَنَاتِي} الصلبية، فتزوجوهن (١)، وكانوا يطلبونهن من قبلُ، ولا يجيبهم لخبثهم، وعدم كفاءتهم، لا لعدم مشروعيته، فإنَّ تزويجَ المسلمات من الكفار كان جائزًا في شريعته، وهكذا كان في أول الإِسلام بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - زوج ابنتيه من أبي العاص بن وائل، وعتبة بن أبي لهب، قبل الوحي، وهما كافران، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}. وقيل: كان لهم سيدان مُطَاعَان، فأراد أن يُزَوّجَهما ابنتيه، وأيّا ما كَانَ فقد أراد به وقاية ضيفه، وذلك غايةٌ في الكرم. {هُنَّ} مبتدأ خبره قوله: {أَطْهَرُ لَكُمْ}؛ أي: أحسن لكم فتزوجوهن، ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي. وقد كان له ثلاث بَنَاتٍ. وقيل: اثنتان. وقيل: أراد بقوله: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} النساءُ جملةً, لأنَّ نَبِيَّ القوم أبٌ لهم، كما قال ابن عباس:"ويدخل فيهن نساؤهم المدخول بهن وغيرهن من المعدات للزواج" ومراده أن الاستماع بهن بالزواج أطهر من التلوث برجس اللواط فإنه يَكْبَحُ جماح الشهوة مع الأمن من الفساد. وقال سعيد بن جبير، ومجاهد: أراد نساءَ قومه، وأضافهن إلى نفسه, لأن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة، والتربيةُ، وهذا القول أولى, لأن إقدامَ الإنسان على عَرْضِ بناته على الأوباش، والفجار مستبعد لا يليق بأهل المروءة، فكيف بالأنبياء وأيضًا فبناته لا تكفي الجمع العظيم، أمَّا بنات أمته، ففيهن كفاية للكل، اهـ "كرخي". والتطهر التنزه عما لا يحل، وليس في صيغة {أَطْهَرُ} دلالةَ على التفضيل بل هي مثل: "الله أكبر" فلا يدل على أن إتيان الذكور كان طاهرًا كما لا يدل قولك النكاح أطهر من الزنى على كون الزنا طاهرًا؛ لأنه خبث ليس فيه شيء