للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من الطهارة. لكن هؤلاء القوم اعتقدوا ذلك طهارة، فبنى ذلك على زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل. وهو مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر رضي الله عنه: "الله أجلّ وأعلى" جوابًا لأبي سفيان حيث قال: "أعلُ هُبَل" اعْتَقَد علوَّ صنمه، وذلك اعتقاد فاسد لا شبهةَ فيه.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ} بترك ما تريدون من الفاحشة بهم، أو بإيثارهن عليهم {وَلَا تُخْزُونِ}؛ أي: ولا تذلوني، وتجلبوا عليَّ العارَ {فِي ضَيْفِي}، والضيف يطلق على الواحد، والاثنين، والجماعة, لأنه في الأصل مصدر، ومعنى: {فِي ضَيْفِي}؛ أي: في حقهم وشأنهم، فإن إخزاءَ ضيف الرجل إخزاؤه، كما أن إكرامَ من يتصل به إكرامُهُ. والمعنى (١): أي: فاخشوا الله، واحذروا عقابَهُ في إتيانكم الفاحشةَ التي تطلبونها, ولا تذِلوني وتمتهنوني بفضيحتي في ضيفي، فإن إهانة الضيوف إهانة للمضيف، وفضيحة له، والاستفهام في قوله: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ} للتوبيخ والتقريع أي أليس منكم {رَجُلٌ} واحد {رَشِيدٌ}؛ أي: ذو رشد، وحكمة يَهْتَدِي إلى الحق، وَيرْعَوِي عن القبيح، وينهى من أراد ركوب الفاحشة مِن ضيوفي، ويرد هؤلاء الأوباشَ عنهم ما يريدون، وفي ذلك توبيخٌ عظيم لهم حيث لم يكن منهم رشيد ألبتةَ يرشدهم إلى ترك هذا العمل القبيح، ويمنعهم منه.

وقرأ الجمهور (٢): {أَطْهَرُ} بالرفع والأحسن في الإعراب أن يكون جملتين كل منهما مبتدأ وخبر، وجوِّز في بناتي أن يكونَ بدلًا، أو عطفَ بيان، وهُنَّ فصل وأطهر الخبر. وقرأ الحسنُ وزيد بن علي، وعيسى بن عمر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن مروان السدي: (أطهرَ) بالنصب. وقال سيبويه: هو لَحْنٌ. وقال أبو عمرو بن العلاء: احْتَبَى فيه ابن مروان في لَحْنه، يعني تَرَبَّعَ. ورويت هذه القراءة عن مروان بن الحكم، وخُرّجت هذه القراءة على أن نصبَ (أطهر) على الحال. فقيل: (هؤلاء) مبتدأ، و (بناتي هن) مبتدأ وخبر في موضع خبر (هؤلاء) وروي هذا عن المبرد.


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.