للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الكذب الصريح بإنكار صدور الإشراك منهم في الدنيا؛ حيث قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين {وَضَلَّ عَنْهُمْ}؛ أي: وانظر أيضًا كيف ضل وغاب عنهم {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}؛ أي: يختلقون ويكذبون بألوهيته وشفاعته لهم من شركائهم وأصنامهم، فلم تغنِ عنهم شيئًا، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم، وهذا على جعل {مَا} موصولًا اسميًّا واقعة على الآلهة. ويحتمل أن تكون مصدرية، والمعنى عليه: انظر يا محمد كيف كذبوا باليمين الفاجرة بإنكار صدور ما صدر منهم في الدنيا من الإشراك، وكيف ضل وذهب عنهم افتراؤهم، وتلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من أن الشركاء يقربونهم إلى الله حتى نفوا صدوره منهم بتاتًا، وتبرؤوا منه غاية البراءة؟

وهذا تعجيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حالهم المختلفة ودعواهم المتناقضة.

وقال (١) مجاهد: إذا جمع الله الخلائق، ورأى المشركون سعة رحمة الله تعالى، وشفاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجوا مع أهل التوحيد، فهذا قال الله لهم: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ قالوا: واللهِ ربنا ما كنا مشركين، فيختم على أفواههم، فتشهد عليهم جوارحهم.

فإن قلت (٢): كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟

قلتُ: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرةً ودهشًا، ألا تراهم يقولون: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا .. فإنا ظالمون، وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه، وقالوا: يا مالك ليقض علينا ربك، وقد علموا أنه لا يقضى عليهم.

الإعراب

{قُلْ لِمَنْ مَا في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى


(١) النسفي.
(٢) البحر المحيط. [قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نقله في البحر عن "الزمخشري" في الكشاف، ثم إنه قد وقع خلل طباعي في عزو الحواشي في هذه القطعة، وأصلحناه قدر الطاقة]