للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي صدر من مشركي مكة لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إبطال الشرك وإثبات توحيد الله في الألوهية والربوبية، ومنها حق التشريع والتحليل والتحريم {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} لرسلهم تكذيبا غير مبني على أساس من العلم.

والرسل صلوات الله وسلامه عليهم قد أقاموا الحجج والبراهين العلمية والعقلية على التوحيد وغيره مما ادعوا، وأيدهم الله تعالى بباهر الآيات، ولكن المكذبين لم ينظروا نظرة إنصاف، بل أعرضوا عنها وأصروا على جحودهم وعنادهم {حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا} وعذابنا، وأهلكناهم بذنوبهم وصاروا كأمس الدابر.

ولو كانت مشيئة الله تعالى لما كانوا عليه من الشرك تتضمن رضاه عن فاعلها، وأمره بها .. لما عاقبهم عليها تصديقا لما قال الرسل، كذلك لو كانت أعمالهم بالجبر المخرج لها عن كونها من أعمالهم .. لما استحقوا العقاب عليها، ولما قال: إنه أخذهم بذنوبهم وأهلكهم بظلمهم وكفرهم، ونحو ذلك مما جاء في كثير من الآيات.

فقوله: {حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا} برهان دال على صدق الرسل في دعواهم، وبطلان شبهات المشركين المكذبين لهم، وبعد أن ذكرهم بالبرهان الواضح أمر رسوله أن يطالبهم بدليل يثبت ما يزعمون، فقال: {هَلْ عِنْدَكُمْ بما تقولون مِنْ عِلْمٍ} تعتمدون عليه وتحتجون به {فَتُخْرِجُوهُ}؛ أي: فتخرجوا ذلك العلم وتظهروه {لَنا} لنفهمه، ونوازن بينه وبين ما جئناكم به من الآيات العقلية، والوقائع المحكية عن الأمم قبلكم، ونتبين منها الراجح والمرجوح، وفي هذا الاستفهام من التعجيز والتوبيخ والتهكم ما لا يخفى، وهو بمعنى الإنكار؛ أي: ليس عندكم من علم تحتجون به فتظهرونه لنا ما تتبعون في دعاواكم إلا الظن الكاذب الفاسد، وما أنتم إلا تكذبون.

وقرأ النخعي وابن وثاب: {إن يتبعون} - بالياء - قال ابن عطية: وهذه قراءة شاذة يضعفها قوله: {وَإِنْ أَنْتُمْ}؛ لأنه يكون من باب الالتفات. ذكره أبو حيان في «البحر».

ثم أردف ذلك ببيان حقيقة حالهم، فقال: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}؛ أي: