مسيرة شهرين للراكب المسرع، والجملة إما مستأنفة، أو حال من الريح. وعن الحسن: كان يغدو من دمشق مع جنوده على البساط، فيقيل باصطخر، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع، واصطخر: بزنة فردوس بلدة من بلاد فارس بناها لسليمان صخر الجني المراد بقوله: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} ثم يروح من اصطخر، ويبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع، وكابل بضم الباء الموحدة: ناحية معروفة من بلاد الهند، وكان عليه السلام يتغدى بالري، ويتعشى بالسمرقند، والري: من مشاهير ديار الديلم بين قومس والجبال، والسمرقند: أعظم مدينة بما وراء النهر؛ أي: نهر جيحون.
قال مقاتل: كان ملك سليمان ما بين مصر وكابل. وقال بعضهم: جميع الأرض، وهو الموافق لما اشتهر عندهم من أنه ملك الدنيا كلها أربعة: اثنان من أهل الإِسلام، وهما: الاسكندر وسليمان، واثنان من أهل الكفر، وهما: نمرود وبختنصر.
{وَأَسَلْنَا}؛ أي: أذبنا وأجرينا {لَهُ}؛ أي: لسليمان {عَيْنَ الْقِطْرِ}؛ أي: عين النحاس المذاب أسأله من معدنه، كما ألان الحديد لأبيه داود، فنبع منه نبوع الماء من الينبوع، ولذلك سمي عينًا. وكان ذلك باليمن بقرب صنعاء. وقال القرطبي: والظاهر أن الله جعل النحاس لسليمان في معدنه عينًا تسيل كعيون المياه دلالة على نبوته. اهـ. واصطناع الناس في النحاس بعد لينه وإذابته - ولو كانت بالنار - من آثار الكرامة التي أعطيها سليمان، ولولاها ما لان النحاس أصلًا؛ لأنه قبل سليمان لم يكن يلين أصلًا بنار ولا بغيرها اهـ "شيخنا".
وقوله:{وَمِنَ الْجِنِّ}: خبر مقدم {مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ}: مبتدأ مؤخر؛ أي: ومن يعمل بين يدي سليمان كائن من الجن. ويجوز أن يكون {مَنْ يَعْمَلُ} منصوبًا بفعل مقدر، و {مِنَ الْجِنِّ} متعلق بهذا المقدر، أو حال من {مَنْ} الموصولة، ويؤيد هذا الاحتمال ما في سورة ص من قوله تعالى: {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)} فإنه منصوب بـ {سَخَّرْنَا} المصرح به. والتقدير: وسخرنا له من يعمل بين يديه وقدامه حال كونه من الجن، وقوله:{بِإِذْنِ رَبِّهِ} متعلق بـ {يَعْمَلُ}؛ أي: يعمل له بإذن ربه؛ أي: بأمره كما ينبيء عنه قوله: {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا}؛ أي: ومن يعدل من الجن ويميل عما أمرناه به من طاعة سليمان ويعصه {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ