للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعمر، من باب قتل، وقرأ ابن السميقع: {أن يُعمِروا} بضم الياء وكسر الميم، من أعمر الرباعي؛ أي: أن يعينوا على عمارته، وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن والجحدري ويعقوب: {مسجد الله} بالإفراد وقرأ باقي السبعة، ومجاهد وقتادة، وأبو جعفر والأعرج وشيبة: {مَسَاجِدَ اللَّهِ} بالجمع، ومن قرأ بالإفراد: فيحتمل أن يراد به المسجد الحرام لقوله: {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أو الجنس، فيندرج فيه سائر المساجد، ويدخل المسجد الحرام دخولًا أوليًّا، ومن قرأ: بالجمع فيحتمل، أن يراد به المسجد الحرام، وإنما جمعه؛ لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فكان عامره عامر المساجد، وأن يراد به سائر المساجد، كما هو ظاهر اللفظ. وقرأ زيد بن علي {شَاهِدُونَ} على إضمار {هم شاهدون}.

وحاصل الآية: أي ما كان (١) من شأن المشركين ولا مما ينبغي لهم، أن يعمروا مساجد الله التي منها المسجد الأعظم، وهو بيته الحرام بالإقامة فيه للعبادة، أو الخدمة والولاية عليه، ولا أن يزوروه حجاجًا أو معتمرين، وقد شهدوا على أنفسهم بالكفر، قولًا وعملًا، بعبادتهم للأصنام، والاستشفاع بها، والسجود لما وضعوه منها في البيت عقب كل شوط من طوافهم، وقولهم حينئذٍ: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا، هو لك تملكه وما ملك.

إذ في عملهم هذا جمع بين الضدين، فإن عمارة البيت الحسية إنما تكون لعمارته المعنوية، بعبادته تعالى وحده، وذلك لا يقع إلا من المؤمن الموحد، لكنهم يشركون به غيره ويساوونه ببعض خلقه في العبادة.

وخلاصة ذلك: أنهم يجمعون بين أمرين لا يعقل الجمع بينهما على وجه صحيح، عمارة البيت الحرام بزيارته للحج أو العمرة، والكفر بربه بمساواته ببعض خلقه من الأصنام والأوثان، وقوله: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: إنهم كفروا كفرًا صريحًا، معترفًا به لا تمكن المكابرة فيه، والمراد بالعمارة الممنوعة


(١) المراغي.