للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشركين، فيعذبهما الله تعالى.

{وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الذين حفظوا الأمانة، وراعوا حقها. قال في "الإرشاد": وهذا إشارة إلى الفريق الثاني؛ أي: كان عاقبة حمله لها أن يتوب الله على هؤلاء من أفراده؛ أي: يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة، وتلافيهم فرط منهم من فرطات، قلما يخلو الإنسان عنها بحكم جبليته، وتداركهم لها بالتوبة والإنابة، أو عرضنا عليه ليظهر إيمان المؤمن، فيتوب الله عليه؛ أي: يعود عليه بالمغفرة والرحمة إن حصل منهم تقصير في بعض الطاعات.

وقرأ الأعمش (١): {فيتوب} بالرفع على جعل العلة قاصرة على ما قبله، وذهب صاحب "اللوامح" أن الحسن قرأ: {ويتوب}: بالرفع، ذكره أبو حيان في "البحر".

{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورًا رَحِيمًا}؛ أي: كثير المغفرة والرحمة للمؤمنين من عباده إذا قصروا في شيء مما يجب عليهم، أو كان (٢) غفورًا للظلوم، رحيمًا على الجهول؛ لأن الله سبحانه وعد عباده بأنه يغفر الظلم جميعًا إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك.

وإجمال الآية (٣): أي إنا لم نخلق السموات والأرض على عظم أجرامها، وقوة أسرها، مستعدةً لحمل التكاليف بتلقي الأوامر والنواهي، والتبصر في شؤون الدين والدنيا, ولكن خلقنا الإنسان على ضعف منَّته، وصغر جرمه مستعدًا لتلقيها، والقيام بأعبائها، وهو مع ذلك قد غلبت عليه الانفعالات النفسية الداعية إلى الغضب، فكان ظلومًا لغيره، وركِّب فيه حب الشهوات، والميل إلى عدم التدبر في عواقب الأمور، ومن ثَمَّ كلفناه بتلك التكاليف لتكسر سورة تلك القوى، وتخفف من سلطانها عليه، ونكبت من جماحها حتى لا توقعه في مواقع الردى. ثم بين عاقبة تلك التكاليف، فقال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ ...} الخ. أي: وكان عاقبة حمل الإنسان لهذه الأمانة أن يعذب من خانها وأبى الطاعة.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.