للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحصاد؛ لئلا يؤخر عن وقت إمكان الأداء، وليعلم أن وجوبها بالإدراك ولو في البعض لا بالتصفية.

والمعنى (١): آتوا وأعطوا حق كل ما وجب يوم الحصاد بعد التصفية، وفائدة ذكر الحصاد الإشعار والتنبيه على أن الحق لا يجب بنفس الزرع وإدراكه، وإنما يجب يوم حصاده وحصوله في يد مالكه لا فيما يتلف من الزرع قبل حصوله في يد مالكه، وهذا يقتضي وجوب الزكاة في الثمار كلها، كما قاله أبو حنيفة، ويقتضي ثبوت حق في القليل والكثير، فالعشر واجب في القليل والكثير كما قاله أبو حنيفة.

فإن قلت (٢): على هذا التفسير إشكال؛ وهو أن فرض الزكاة كان بالمدينة، وهذه السورة مكية، فكيف يمكن حمل قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} على الزكاة المفروضة؟

قلت: ذكر ابن الجوزي في تفسيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وقتادة أن هذه الآية نزلت بالمدينة، فعلى هذا القول تكون الآية محكمة نزلت في حكم الزكاة. وإن قلنا: إن هذه الآية مكية تكون منسوخة بآية الزكاة؛ لأنه قد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن، وقيل في قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} إنه حق سوى الزكاة فرض يوم الحصاد، وهو إطعام من حضر وترك ما سقط من الزرع والثمر، وهذا قول علي بن الحسن وعطاء ومجاهد وحماد، قال إبراهيم: هو الضغث، وقال الربيع: هو لقاط السنبل، وقال مجاهد: كانوا يجيئون بالعذق عند الصرام، فيأكل منه من مر، وقال يزيد بن الأصم: كان أهل المدينة إذا صرموا النخل .. يجيئون بالعذق عند الصرام، فيعلقونه في جانب المسجد، فيجيء المسكين، فيضربه بعصاه، فما سقط منه أكله، فعلى هذا القول هل هذا الأمر أمر وجوب أو استحباب وندب؟ فيه قولان: أحدهما: أنه أمر وجوب، فيكون منسوخا بآية الزكاة، وبقوله صلى الله عليه وسلم في


(١) المراح.
(٢) الخازن.