للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من السرد، وهو المتابعة والاطراد، والميم زائدة، وقيل: إن ميمه أصلية ووزنه فعلل، لا فعمل، وهو الظاهر، وقدم ذكر الليل على ذكر النهار؛ لأن ذهاب الليل بطلوع الشميس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل، كذا في "برهان القرآن"؛ أي: دائمًا مستمرًا {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} بإسكان الشمس تحت الأرض، أو تحريكها حول الأفق الغائر (١) {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} صفة لإله.

{يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ} صفة أخرى له، عليها يدور أمر التبكيت والإلزام، قصد انتفاء الموصوف بانتفاء الصفة؛ أي: أيُّ معبود غير الله سبحانه يأتيكم بضياء النهار، فتستضيئون به، ولم يقل (٢) هل إله، فذكر بمن لإيراد الإلزام على زعمهم أن غيره آلهة، وفي هذا الأسلوب من التقريع والتبكيت والإلزام ما لا يخفى، وأتى بضياء (٣)، وهو نور الشمس، ولم يجيء التركيب بنهار تتصرفون فيه، كما جاء بليل تسكنون فيه؛ لأن منافع الضياء متكاثرة، ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة، ومن ثم قرن بالضياء {أَفَلَا تَسْمَعُونَ}؛ لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده.

بيَّن لهم سبحانه أنه مهد لهم أسباب المعيشة، ليقوموا بشكر النعمة، فإنه لو كان الدهر الذي يعيشون فيه ليلًا دائمًا إلى يوم القيامة لم يتمكنوا فيه من الحركة فيه، وطلب ما لا بد لهم منه مما يقوم به العيش من المطاعم والمشارب والملابس، ثم امتن عليهم فقال: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ}؛ أي: هل لكم إله من الآلهة التي تعبدونها يقدر على أن يرفع هذه الظلمة الدائمة عنكم بضياء؛ أي: بنور تطلبون فيه المعيشة، وتبصرون فيه ما تحتاجون إليه، وتصلح به ثماركم وتزهو عنده زرائعكم، وتعيش فيه دوابكم، وعن ابن كثير (٤): {بضئاء} بهمزتين.


(١) الغائر، أي: الغير المرئي وليس تحت الأرض بالكلية حتى يكون تكرارًا. اهـ شهاب.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٤) البيضاوي.