للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بهم، ووبال خداعهم راجع إليهم. والمراد بأنفسهم هنا: ذواتهم لا سائر المعاني التي تدخل في مسمى النفس، كالروح، والدم، والقلب.

وجملة قوله: {وَما يَشْعُرُونَ} حال من ضمير {ما يَخْدَعُونَ}؛ أي: يقتصرون على خدع أنفسهم والحال أنّهم ما يحسّون وما يعلمون ذلك. أي: أنّ ضرر خدعهم ووباله عليهم؛ لتمادي غفلتهم وتكامل حماقتهم، ولو علموا ذلك ما فعلوا الخداع، بل أخلصوا في إيمانهم.

والخدع، وكذا الخديعة، والحيلة، والمكر: هو ما يتوصّل به إلى المقصود بطريق خفيّ، كما ذكره القسطلاني في كتاب الحيل من «صحيح البخاري».

والشعور: إدراك الشيء من وجه يدقّ ويخفى، مشتق من الشعر لدقّته. وقيل: (١) هو الإدراك بالحاسّة، مشتق من الشعار، وهو ثوب يلي الجسد، ومنه: مشاعر الإنسان؛ أي: حواسه الخمس التي يشعر بها. اه. «سمين». وسميت مشاعره حواس؛ لكون كلّ حاسة منها محلّا للشعور والعظة.

والمعنى: أنّ لحوق ذلك لهم كالمحسوس، وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حسّ له. ثمّ في هذه الآية (٢) نفي العلم عنهم، وفي قوله: {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إثبات العلم لهم، فبينهما معارضة، فما وجه الجمع بينهما؟ قلت: الجمع بينهما بأن يقال: إنّهم علموا به حقيقة، ولكن لم يعملوا بما علموا، فكأنّهم لم يعلموا، وهو كقوله عز وجلّ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}، فكانوا ناطقين سامعين ناظرين حقيقة، لكن لم ينتفعوا بذلك، فكانوا كأنّهم صّم بكم عمي، فذو الآلة إذا لم ينتفع بها، فهو وعادم الآلة سواء، والعالم الذي لا يعمل بعلمه، فهو والجاهل سواء، والغني الذي لا ينتفع بماله، فهو والفقير سواء. فإثبات العلم للكفار إلزام الحجة، وذكر الجهل إثبات المنقصة، بخلاف المؤمنين فإنّ إثبات العلم لهم إثبات الكرامة، وذكر الجهل تلقين عذر المعصية. فعلى المؤمن أن


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.