النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، واعتقدوا خلافها، وأكثرهم من اليهود، كما مرّ. فإنّهم من حيث إنهم صمّموا على النفاق دخلوا في عداد الكفار المختوم على قلوبهم.
واختصاصهم بزيادة زادوها على الكفر لا يأبى دخولهم تحت هذا الجنس، فإنّ الأجناس إنما تتنوّع بزيادات يختلف فيها أبعاضها. فعلى هذا تكون الآية تقسيما للقسم الثاني.
{آمَنَّا بِاللَّهِ} أي: صدّقنا بالله. {وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} وهو من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى؛ أي: الوقت الدائم الذي هو آخر الأوقات المنقضية، والمراد به: البعث، أو إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار؛ لأنّه آخر الأيام المحدودة، إذ لا حدّ وراءه، وسمّي بالآخر؛ لتأخّره عن الدنيا.
وتخصيصهم للإيمان بهما بالذكر له؛ ادّعاء أنّهم قد حازوا الإيمان من قطريه، وأحاطوا به من جانبيه، وإيذان بأنّهم منافقون فيما يظنّون فيه، فكيف بما يقصدون به النفاق؛ لأنّ القوم كانوا يهودا، وكانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا كلا إيمان؛ لاعتقادهم التشبيه، واتخاذ الولد، وأنّ الجنة لا يدخلها غيرهم، وأنّ النار لن تمسهم إلّا أياما معدودة، وغيرها، ويرون المؤمنين أنّهم آمنوا مثل إيمانهم. وحكاية الله سبحانه عبارتهم؛ لبيان كمال خبثهم، فإنّ ما قالوه لو صدر عنهم لا على وجه الخداع والنفاق، وعقيدتهم عقيدتهم الأولى، لم يكن ذلك إيمانا، فكيف وهم يقولونه تمويها على المسلمين واستهزاء بهم، فكان خبثا إلى خبث، وكفرا إلى كفر.
{وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} أي: وما هم (١) بداخلين في عداد المؤمنين الصادقين، الذين يشعرون بعظيم سلطان الله، ويعلمون أنّه مطلع على سرّهم ونجواهم، إذ كانوا يكتفون ببعض ظواهر العبادات ظنا منهم أنّ ذلك يرضي ربّهم، ثمّ هم بعد ذلك منغمسون في الشرور والمآثم من كذب، وغشّ، وخيانة، وطمع إلى نحو ذلك مما حكاه الكتاب الكريم عنهم، ونقله الرواة أجمعون.