قال الفاشانيّ: الاقتصار في وصف الكفار المصرّين المطبوع على قلوبهم على آيتين، والإطناب في وصف المنافقين في ثلاث عشرة آية للإضراب عن أولئك صفحا، إذ لا ينجع فيهم الكلام، ولا يجدي عليهم الخطاب. وأمّا المنافقون فقد ينجع فيهم التوبيخ والتعيير، وعسى أن يرتدعوا بالتشنيع عليهم، وتفظيع شأنهم وسيرتهم، وتهجير عادتهم، وخبث نيتهم وسريرتهم، وينتهوا بقبح صورة حالهم، وتفضيحهم بالتمثيل بهم وبطريقتهم فتلين قلوبهم، وتنقاد نفوسهم، وتزّكّى بواطنهم، وتضمحل رذائلهم، فيرجعون عما هم عليه، ويصيرون من المستثنى في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦)}.
والنّاس (١): اسم جمع للناسي، سمّي به؛ لأنّه عهد إليه فنسي. قال تعالى:{وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، ولذلك جاء في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} أي: نسّاء للنعم، ذكّار للمحن. وقيل: سمي به؛ لظهوره من آنس؛ أي: أبصر؛ لأنّهم ظاهرون مبصرون، ولذلك سمّوا بشرا، كما سمّي الجنّ جنا؛ لاجتنانهم؛ أي: استتارهم عن أعين الناس. وقيل: هو من الأنس الذي هو ضدّ الوحشة؛ لأنّهم يستأنسون بأمثالهم، أو يستأنس أرواحهم بأبدانهم، وأبدانهم بأرواحهم. واللام فيه للجنس. {ومِنَ} في قوله: {مَنْ يَقُولُ} نكرة موصوفة، إذ لا عهد، فكأنّه قال: ومن الناس ناس يقولون؛ أي: يقرّون باللسان. والقول: هو التلفظ بما يفيد، ويأتي بمعنى المقول. وللمعنى المحصور في النفس المعبّر عنه باللفظ وللرأي، وللمذهب مجازا. ووحّد الضمير في {يَقُولُ} باعتبار لفظ {مِنَ}، وجمعه في قوله:{آمَنَّا}، وقوله:{وَما هُمْ} باعتبار معناها؛ لأنّ كلمة {مِنَ} تصلح للواحد والجمع، أو اللام فيه للعهد، والمعهود: هم الذين كفروا. {ومِنَ} موصولة مراد بها: عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، ونظراؤه من المنافقين، حيث أظهروا كلمة الإسلام؛ ليسلموا من