وخاضوا في تكذيب أنبيائهم واستهزائهم، وفتنوا بدنياهم، وغروا بشهواتهم، وخرجوا من الدنيا مفتونين مغرورين محرومين من - رحمة الله - تعالى ونعيم الآخرة.
والمعنى: أنتم أيها المنافقون المؤذون لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين كأولئك المنافقين الذين خلوا من قبلكم في أقوام الأنبياء السابقين، فتنتم بأموالكم وأولادكم، كما فتنوا وغروا بها، ولكنهم كانوا أشد منكم قوةً، وأكثر منكم أموالًا وأولادًا، وقد كان جل مطلبهم وسعيهم، هو التمتع بنصيبهم وحظهم الدنيويِّ، من الأموال والأولاد، فأطغتهم الدنيا، وأغرتهم لذاتها، ولم يكن لهم مقاصد شريفة من الحياة كالتي يقصدها أهل الإيمان باللهِ ورسله والدار الآخرة، من إعلاء كلمة الحق، وإقامة ميزان العدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فخرجوا من الدنيا مفتونين مغرورين محرومين.
{فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ}؛ أي: فأنتم أيها المنافقون المعاصرون لمحمد - صلى الله عليه وسلم - حذوتم حذوهم، وسلكتم سبيلهم، وتمتعتم بنصيبكم وحظكم من ملاذ الدنيا وشهواتها {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ}؛ أي: استمتعتم استمتاعًا كاستمتاع الكفار الذين خلوا من قبلكم بحظوظهم الخسيسة من الشهوات الفانية، وفتنتم بها، كما فتنوا بها، فأنتم أولى بالعقاب منهم.
والمعنى: أي وقد سلكتم أيها المنافقون سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم، فأنتم فعلتم بدينكم ودنياكم كما فعل الذين كانوا من قبلكم، ولم تفضلوا عليهم بشيءٍ من الاسترشاد بكلام الله وهدي رسوله، إذ لم تعلموا شيئًا من الفضائل التي تزكي النفوس وتجعلها أهلًا للسعادة، فكنتم أجدر بالعقاب منهم؛ لأنهم أوتوا من القوة والأموال فوق ما أوتيتم، ولم يروا من آيات الله ما رأيتم.
فإن قلت: ما فائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرةً ثم في حق المنافقين ثانيًا ثم تكريره في حق الأولين ثالثًا، والثاني مغن عن الأول؟
قلت: فائدة ذكر الاستمتاع في الأولين أولًا: تمهيدٌ لذم حال المخاطبين، بأن قرر وبين حال الأولين، ثم عاد فشبه حال المنافقين بحالهم، فيكون ذلك