قال في «الصحاح»: وقد يسمى الخمر إثما، وأنشد: شربت الإثم ... البيت، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته.
وثالثها: الجناية على النفوس والأموال والأعراض، وإليها الإشارة بقوله:{وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وهو (١) الإثم الذي فيه تجاوز لحدود الحق، أو اعتداء على حقوق الأفراد أو جماعتهم، ومن ثم قرن بالعدوان في قوله:{تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} وقيد البغي بكونه بغير الحق؛ لأن تجاوز الحدود المعروفة قد يكون فيما لا ظلم فيه ولا فساد، ولا هضم لحقوق الأفراد والجماعات كما في الأمور التي ليس لهم فيها حقوق، أو التي تطيب أنفسهم فيها عن بعض حقوقهم، فيبذلونها عن رضى وارتياح لمصلحة لهم يرجونها.
ورابعها: الجناية على الأديان؛ وهي من وجهين:
إما بالطعن في توحيد الله تعالى؛ وهو الشرك، وإليه الإشارة بقوله:{وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ} وهو أقبح الفواحش، فلا تقوم عليه حجة من عقل ولا برهان من وحي، وسميت الحجة سلطانا؛ لأن لها سلطانا على العقل والقلب.
وفي هذا إيماء إلى أن أصول الإيمان لا تقبل إلا بوحي من الله يؤيده البرهان كما قال:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} كما أن فيه إرشادا إلى عظم شأن الدليل والبرهان في الدين، حتى كأن من جاء بالبرهان على الشرك يصدق، وهذا من فرض المحال مبالغة في فضل الاستدلال كما قال:{أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}.
وإما بالقول في دين الله بغير معرفة، وإليه الاشارة بقوله تعالى:{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}: وهو من أسس المحرمات التي حرمت على ألسنة الرسل جميعا؛ إذ هو منشأ تحريف الأديان المحرفة، وسبب الابتداع في الدين الحق، وقد انتشر الابتداع بين أهله، وتحكمت بينهم الأهواء، واتبعوا سنن من قبلهم