والمعنى: بل ألهم شركاء من الشياطين؛ أي: نظراء يشاركونهم في الكفر والعصيان، ويعاونونهم عليه بالتزيين والإغراء {شَرَعُوا} وسنوا {لَهُمْ} بالتسويل والتزيين {مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ} ويأمر {بِهِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى، كالشرك وإنكار البعث، والعمل للدنيا، وسائر مخالفات الشريعة، وموافقات الطبيعة؛ لأنهم لا يعلمون غيرها، وتعالى الله عن الإذن في مثل هذا والأمر به، والتعبير عنه بالدين للمشاكلة؛ لأنه ذكر في مقابلة دين الله، أو للتهكم، وقيل: شركاءهم أوثانهم، فالهمزة للإنكار، فإن الجماد الذي لا يعقل شيئًا، كيف يصح أن يشرع دينًا، والحال أن الله تعالى، لم يشرع لهم ذلك الدين الباطل، وإضافتها إليهم حينئذٍ؛ لأنهم الذين جعلوها شركاء لله، وإسناد الشرع إليها، مع كونها بمعزل عن الفاعلية، إسناد مجازي، من إسناد الفعل إلى السبب؛ لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم، كقوله تعالى:{إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}.
والمعنى (١): أي هم ما اتبعوا، ما شرع الله من الدين القويم، بل اتبعوا ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، فحرموا عليهم ما حرموا من البحيرة، والسائبة والوصيلة، وحللوا لهم أكل الميتة والدم والقمار، إلى نحو أولئك، من الضلالات والجهالات، التي كانوا قد اخترعوها في الجاهلية.
وقد ثبت في "الصحيح"، أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال:" رأيت عمرو بن لُحَيّ بن قمعة يجر قصبة أمعائه في النار؛ لأنه أول من سيّب السوائب، وحمل قريشًا على عبادة الأصنام، وكان أحد ملوك خزاعة"، وقصارى ذلك: أن الشيطان زين لهم الشرك والمعاصي والشرائع المضلة وإنكار البعث والعمل للدنيا.
ثم بين أنه رحمة بعباده، أخر عذاب المشركين ليوم معلوم، ولم يعجله لهم، فقال:{وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ}؛ أي: القضاء السابق بتأخير العذاب عنهم، أو العدة لهم، بأن الفصل يكون يوم القيامة، حيث قال: {بَلِ السَّاعَةُ