للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مصحف عبد الله: {وهو أسرع الفاصلين}.

وقرأ (١) ابن عباس وابن كثير ونافع وعاصم: {يقص الحق} بالصاد المشددة من القصص، والمعنى: إن كل ما أخبر به فهو حق. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: {يقض الحق} من القضاء، والمعنى: يقضي القضاء الحق. ولم (٢) يُرسم {يقض} إلا بضاد؛ كأن الياء حذفت خطًّا كما حذفت لفظًا لالتقاء الساكنين، كما حذفت في قوله: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}، وكما حذفت الواو من قوله: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)} {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} لما تقدم.

{قُلْ} يا محمد لهؤلاء الذين يستعجلون العذاب بقولهم: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}: {لَّوْ أَنَّ عِندِى} وبيدي وقدرتي {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}؛ أي: أمر ما تطلبون عجلته ووقوعه حالًا من نزول العذاب الموعود بكم؛ بأن يكون أمره مفوضًا إليَّ من الله تعالى: {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}؛ أي: لانفصل وانقطع النزاع بيني وبينكم، ولأتاكم ما تستعجلون به من العذاب، فأهلكتكم عاجلًا غضبًا لربي، واقتصاصًا من تكذيبكم، ولتخلصت منكم سريعًا لصدكم عن تبليغ دعوة ربي وصدكم الناس عني، وقد وعدني ربي بنصر المؤمنين المصلحين، وخذلان الكافرين المفسدين، ولم أمهلكم ساعة، ولكن الله حليم ذو أناةٍ، لا يعجل بالعقوبة.

فائدة: والفرق بين الاستعجال والإسراع: أن الاستعجال: المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كان العجلة مذمومة. والإسراع، تقديم الشيء، في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة.

والخلاصة: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب: لو أن عندي ما تستعجلون به .. لم أمهلكم ساعة، ولكن الله حليم لا يعجل بالعقوبة. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} الذين لا رجاء في رجوعهم


(١) زاد المسير والبحر المحيط.
(٢) الفتوحات.