عنهم العذاب بين النفختين، فكأنهم يرقدون في قبورهم كالمريض يجد خفة ما، فينسلخ عن الحس بالمنام. فإذا بعثوا بعد النفخة الآخرة، وعاينوا القيامة دعوا بالويل. ويؤيد هذا الجواب قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بين النفختين أربعون سنة، وليس بينهما قضاء، ولا رحمة ولا عذاب إلا ما شاء ربك». أو أن الكفار إذا عاينوا جهنم، وأنواع عذابها، وافتضحوا على رؤوس الأشهاد، وصار عذاب القبر في جنبها كالنوم قالوا: من بعثنا من مرقدنا. وذلك أن عذاب القبر روحاني فقط. وأما عذاب يوم القيامة، فجثماني وروحاني، وهو أشد من الروحاني فقط.
قرأ الجمهور:{يا وَيْلَنا}. وقرأ ابن أبي ليلى {يا ويلتنا} بتاء التأنيث وعنه أيضًا {يا ويلتي} بالتاء بعدها ألف بدل من ياء الإضافة. وقرأ الجمهور:{مَنْ بَعَثَنا} بفتح ميم {مَنْ} على الاستفهام. وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف جر. ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب، وعلى هذه القراءة تكون {مَنْ} متعلقة بالويل. وقرأ الجمهور:{مَنْ بَعَثَنا}. وفي قراءة أبي {من أهبنا} من هب من نومه إذا انتبه. وأنشد ثعلب على هذه القراءة:
وَعَاذلةٍ هَبَّت بليلٍ تلومني ... وَلَمْ يعتمدني قبل ذاك عَذولُ
وقوله:{هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} مبتدأ وخبر، و {ما} موصولة، والعائد محذوف؛ أي: هذا البعث هو الذي وعدكموه الرحمن في الدنيا وأنتم قلتم: متى هذا الوعد إنكارًا. {وَصَدَقَ} في أخباره {الْمُرْسَلُونَ} فقد حق عليكم، ونزل بكم. وهو جواب من جهة الملائكة أو من جهة المؤمنين. عدل به عن سنن سؤال الكفار تذكيرًا لكفرهم وتقريعا لهم عليه، وتنبيهًا على أن الذي يهمهم هو السؤال عن نفس البعث، ماذا هو؟ دون الباعث، كأنهم قالوا: بعثكم الرحمن الذي وعدكم ذلك في كتبه، وأرسل إليكم الرسل، فصدقوكم فيه، وليس بالبعث الذي تتوهمونه. وهو بعث النائم من مرقده، حتى تسألوا عن الباعث. وإنما هذا هو البعث الأكبر ذو الأفزاع والأهوال. وفي «فتح الرحمن»، قوله:{قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا ...} إلخ، إذا قلت: قولهم ذلك، سؤال عن الباعث، فكيف طابقه الجواب بقوله:{هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ ...} إلخ؟