به واحدٌ منهم، سواء العاكف فيه والباد. وقال مجاهد وابن جبير معناه: يثوبون إليه من كل جانب؛ أي: يحجونه في كل عام، فهم يتفرقون، ثم يثوبون إليه أعيانهم، أو أمثالهم، ولا يقضي أحدٌ منهم وطرًا، وقال الشاعر:
وقال ابن عباس: معاذًا وملجأً، وقال قتادة والخليل: مجمعًا، والألف واللام في قوله:{لِلنَّاسِ} إمّا لاستغراق الجنس على مذهب من يرى أنَّ الناس كلهم مخاطبون بفروع الإيمان، وإمَّا للجنس الخاص على مذهب من لا يرى ذلك. {وَأَمْنًا}؛ أي: محلَّ أمنٍ لمن يسكنه ويلجأ إليه من الأعداء، والخسف، والمسخ، فإنّ المشركين كانوا لا يتعرَّضون لسكان الحرم، ويقولون: البيت بيت الله، وسكَّانه أهل الله، بمعنى: أهل بيته، وكان الرجل يرى قاتل أبيه في الحرم، فلا يتعرَّض له، ويتعرَّضون لمن حوله، وهذا شيء توارثوه من دين إسماعيل عليه السلام، فبقوا عليه إلى أيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يأمن لمن حجَّه من عذاب الآخرة من حيث إنّ الحج يجبُّ ما قبله؛ أي: يقطع ويمحو ما وجب قبله من حقوق الله تعالى غير الماليَّة، مثل: كفارة اليمين، وأمَّا حقوق العباد، فلا يجبُّها الحجُّ. {و} قلنا {اتخذوا}؛ أي: اجعلوا يا أمّة محمد! لأنفسكم {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} عليه السلام؛ أي: عند مقام إبراهيم {مُصَلًّى}؛ أي: موضع صلاة، فمن هنا بمعنى: عند، والعندية تصدق بجهاته الأربع، والتخصيص بكون المصلى خلفه، إنّما استفيد من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وفعل الصحابة بعده؛ أي: واذكر إذ جعلنا البيت مثابةً، وقلنا لكم: اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، فهو على تقدير القول؛ لئلا يلزم عطف الإنشاء على الإخبار، ومقام إبراهيم: الحجر الذي قام عليه إبراهيم عند بناء البيت، وفيه أثر قدميه، أو الموضع الذي كان فيه حين قام عليه، ودعا الناس إلى الحج، أو حين رفع بناء البيت، والذي يسمى اليوم مقام إبراهيم هو موضع ذلك الحَجَر.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، والجمهور {وَاتَّخِذُوا} بكسر الخاء على صيغة الأمر، فلا بدّ على هذه القراءة من تقدير