بقوله تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠)}، وهؤلاء الحفظة هم الملائكة الذين قال الله تعالى فيهم: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢)}، ونحن نؤمن بهذه الكتابة ولا نعرف صفتها, ولا نتحكم فيها بآرائنا.
وما (١) مثل مراقبة أولئك الحفظة إلا مثل مراقبة رجال البوليس السري في حكومات العصر الحديث.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في الآية: الملوك يتخذون الحرس يحفظونهم من أمامهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمالهم، يحفظونهم من القتل، ألم تسمع أن الله تعالى يقول:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} لم يغنِ الحرس عنهم شيئًا، وفي معنى الآية قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا:"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
والحكمة في كتابة الأعمال وحفظها على العاملين أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه، وتعرض على رؤوس الأشهاد .. كان ذلك أزجر له عن الفواحش والمنكرات، وأبعث له على عمل الصالحات، فإن لم يصل إلى مقام العلم الراسخ الذي يثمر الخشية لله والمعرفة الكاملة التي تثمر الحياء .. ربما غلب عليه الغرور بالكرم الإلهي والرجاء في المغفرة والرحمة، فلا يكون لديه من الخشية والحياء ما يزجره عن المعصية، كما يزجره توقع الفضيحة في موقف الحساب على أعين الخلائق وأسماعهم، كما قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً