للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)}.

وقوله: {إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} غاية لمحذوف تقديره: وهو الذي يرسل عليكم حفظة من الملائكة يراقبونكم ويحصون عليكم أعمالكم مدة حياتكم حتى إذا جاء أحدكم أسباب الموت ومقدماته، وانتهى عمله {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}؛ أي: قبضت روحه رسلنا الموكلون بذلك من الملائكة، وهؤلاء الرسل هم أعوان ملك الموت الذين يتولون ذلك بأمره، كما قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)}.

روى ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس: أنه سُئل عن ملك الموت، أهو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: هو الذي يلي أمر الأرواح، وله أعوان على ذلك، وقرأ هذه الآية، ثم قال: غير أن ملك الموت هو الرئيس.

وروي عن إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة: أن الأعوان يقبضون الأرواح من الأبدان، ثم يدفعونها إلى ملك الموت. وعن الكلبي: أن ملك الموت هو الذي يتولى القبض بنفسه، ويدفعها إلى الأعوان، فإن كان الميت مؤمنًا .. دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإن كان كافرًا .. دفعها إلى ملائكة العذاب؛ أي: وهم يتوجهون بالأرواح إلى حيث يوجههم الله بأمره، وعلينا أن نؤمن بذلك ولا نبحث عن كيفيته.

فإن قلت: جاء إسناد التوفي إلى الله تعالى في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}، وإسناده إلى ملك الموت في قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} وإسناده إلى الرسل في قوله هنا: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}، فكيف الجمع بين هذه الآيات؟.

قلتُ: وجه الجمع بين هذه الآيات: أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى، فإذا حضر أجل العبد .. أمر الله ملك الموت بقبض روحه، ولملك الموت أعوان من الملائكة، فيأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده، فإذا وصلت إلى الحلقوم .. تولى قبضها ملك الموت بنفسه، فحصل الجمع بين الآيات. وقيل: المراد من قوله: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}: ملك الموت وحده، وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيمًا له.