للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملائكة، فإنه محقق، أجابوا بذلك أم لا، بل لترتيب الإخبار به عليه: اهـ "أبو السعود".

أي: فهي للترتيب الذكري، والأظهر كونها استئنافية. {لَا يَمْلِكُ}؛ أي: لا يقدر. {بَعْضُكُمْ} يعني: المعبودين. {لِبَعْضٍ} يعني: العابدين، {نَفْعًا} بالشفاعة وإدخال الجنة. {وَلَا ضَرًّا}؛ أي: ضررًا بالتعذيب، أو دفع ضرر؛ إذ الأمر فيه كله لله؛ لأن الدار دار جزاء، ولا يجازي الخلق أحدٌ غير الله. قال في "الإرشاد": تقييد هذا الحكم بذلك اليوم مع ثبوته على الإطلاق؛ لانعقاد رجائهم على تحقيق النفع يومئذ، وهذا الكلام من جملة ما يقال للملائكة عند جوابهم بالتنزه والتبري مما نسب إليهم الكفرة، يخاطبون على رؤوس الأشهاد إظهارًا لعجزهم، وقصورهم عند عبدتهم، وتنصيصًا على ما يوجب خيبة رجائهم بالكلية.

وقوله: {وَنَقُولُ} معطوف على قوله (١): لا يملك؛ أي: واليوم نقول، {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالكفر والتكذيب، فوضعوهما موضع الإيمان والتصديق، وقيل (٢): عطف على {يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ}، لا على {يَمْلِكُ} كما قيل؛ لأنه ما يقال يوم القيامة خطابًا للملائكة مترتبًا على جوابهم المحكي، وهذا حكاية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سيقال للعبدة يومئذ، إثر حكاية ما سيقال للملائكة.

{ذُوقُوا} وباشروا وادخلوا {عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ} في الدنيا {بِهَا}؛ أي: بتلك النار، متعلق بقوله: {تُكَذِّبُونَ}، وتصرون على القول بأنها غير كائنة، فقد وردتموها، وبطل ظنكم ودعواكم.

ومعنى الآية: أي فاليوم لا يقع لكم نفع ممن كنتم ترجون نفعه من الأوثان، والأنداد الذين ادخرتم عبادتهم لشدائدكم وكروبكم؛ لأن الأمر في ذلك اليوم لله الواحد القهار، لا يملك أحد فيه منفعةً لأحد، ولا مضرةً له، ونقول للمشركين تهكمًا بهم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم تكذبون بها في دنياكم، فها أنتم أولاء قد وردتموها، وسمعتم شهيقها وزفيرها, وليس الخُبْرُ كالخَبَرِ، ولا السماع كالمعانية، فعضوا بنان الندم أسى وحسرة على ما قدمتم في دنياكم، فجنيتم صابه وعلقمه في


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.