للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَلى أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: أشهد أنفسهم على أنفسهم على أخذ ذلك الميثاق وقبوله؛ أي: قررهم، فإنّ الشهادة على النفس معناها الإقرار، وأشهد بعضهم على بعض، وقال لهم: {أَلَسْتُ} أنا {بِرَبِّكُمْ} وخالقكم ومعبودكم {قالُوا بَلى} أنت ربنا لا رب لنا غيرك، فأخذ بذلك مواثقهم، ثم كتب الله آجالهم، وأرزاقهم، ومصائبهم، فنظر إليهم آدم عليه السلام، فرأى منهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: رب هلا سويت بينهم؟ فقال: إني أحب أن أشكر، فلمّا قررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض، أعادهم إلى صلب آدم، فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ منه الميثاق، ثم استشهد الملائكة على قبولهم الميثاق، فقال: يا ملائكتي اشهدوا على قبولهم هذا الميثاق. قالت الملائكة: {شَهِدْنا} ذلك عليهم، وعلى هذا المعنى يحسن الوقف على قوله {بَلى}؛ لأنّ كلام الذرية قد تم وانقطع بقوله: {بَلى}؛ وقوله: {شَهِدْنا} مستأنف من كلام الملائكة، وقيل هو من كلام الذرية، والمعنى: شهدنا على أنفسنا بهذا الإقرار، وعلى هذا المعنى لا يحسن الوقف على بلى؛ لأنّ مقولهم لم يتم ولم ينقطع على {بَلى} وقيل (١): المراد ببني آدم هنا آدم نفسه، وعلى هذا يكون معنى الآية: أن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم .. مسح ظهره، فاستخرج منه ذريته، وأخذ عليهم العهد، وهؤلاء هم عالم الذر، وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، وموقوفا على غيره من الصحابة.

وقد أخرج مالك في «الموطأ» وأحمد في «المسند» وعبد بن حميد والبخاري في «تاريخه»، وأبو داود والترمذي، وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان في «صحيحه» وغيرهم: أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ} .. الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأل عنها؟ فقال: «إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا


(١) الشوكاني.