للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): يا أولاد يعقوب! اذكروا بألسنتكم وبقلوبكم نعمتي التي أنعمت بها عليكم، وعلى آبائكم، من الإنجاء من فرعون، وفلق البحر، وتظليل الغمام في التيه، وإخراج الماء من الحجر، وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من النعم التي لا تعدّ ولا تحصى، واشكروا عليها بالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وحذف الشكر؛ إكتفاء بذكر النعمة {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي}؛ أي: أتموا وأدّوا بما أمرتكم به من الطاعات، واجتنبوا ما نهيتكم عنه من الكفر والعصيان، أو أوفوا العهد الذي جعلنا عليكم في كتبكم من الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}؛ أي: أوف لكم وأتمم بما عاهدته لكم عليّ، وضمنته لكم، من الجزاء بإثابتكم وإدخالكم الجنة {وَإِيَّايَ} لا غيري {فَارْهَبُونِ}؛ أي: خافوني فيما تأتونه وفيما تذرونه؛ أي: خافوا عقابي في نقض ذلك العهد، فإن عذابي لشديد. ونصب (٢) {إِيَّايَ} بمحذوف، تقديره: وإياي ارهبوا، فارهبوني فيما تأتون وتذرون، وخصوصا في نقض العهد لا بارهبون فإنه قد أخذ مفعوله، والأصل: ارهبوني، لكن حذفت الياء تخفيفا؛ لموافقة رؤوس الآي، والفاء الجزائية دالة على تضمن الكلام معنى الشرط، كأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئا فارهبوني لا غيري. والرهبة: خوف معه تحرز، والآية متضمنة للوعد لقوله: {أُوفِ} والوعيد لقوله: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} دالة على وجوب الشكر. والوفاء بالعهد، وأن المؤمن ينبغي له أن لا يخاف أحدا إلا الله؛ للحصر المستفاد من تقديم إياي، والمعنى (٣): أي: لا ترهبوا ولا تخافوا إلا من بيده مقاليد الأمور كلها، وهو الله الذي أنعم عليكم بتلك النعمة الكبرى، وهو القادر على سلبها منكم، وعلى عقوبتكم على ترك الشكر عليها، ولا يرهب بعضكم بعضا خوف فوت بعض المنافع، ونزول بعض الأضرار، إذا أنتم اتبعتم الحق، وخالفتم غيركم من الرؤساء.

وقيل: المراد بالنعمة نعمة النبوة التي اصطفاهم بها زمانا طويلا، حتى


(١) العمدة.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.