للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنعم، فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فدلّ ذلك على فضل أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم على سائر الأمم. وفي قوله: {نِعْمَتِيَ} نوع التفات، لأنه خروج من ضمير المتكلم المعظم نفسه في قوله: {آياتِنا} إلى ضمير المتكلم الذي لا يشعر بذلك. وفي إضافة النعمة إليه، إشارة إلى عظم قدرها، وسعة برّها، وحسن موقعها. وفي قوله (١): {عَلَيْكُمْ} إشعار بأنهم قد نسوها بالكلية، ولم يخطروها بالبال، لا أنهم أهملوا شكرها فقط. وتقييد النعمة بكونها عليهم؛ لأن الإنسان غيور حسود بالطبع، فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره، حمله الغيرة والحسد على الكفران والسّخط، ولذا قيل: لا تنظر إلى من هو فوقك في الدنيا، لئلّا تزدري نعمة الله عليك، فإنّ من نظر إلى ما أنعم الله به عليه، حمله حبّ النعمة على الرضى والشكر؛ أي: احفظوا بالجنان، واشكروا باللسان نعمتي التي تفضّلت بها عليكم. ويجوز (٢) في الياء من نعمتي الإسكان والفتح، والقرّاء السبعة متفقون على الفتح، وأنعمت صلة التي، والعائد محذوف، والتقدير: أنعمتها عليكم {وَأَوْفُوا}؛ أي: أتمّوا {بِعَهْدِي} الذي قبلتم يوم الميثاق، ولا تتركوا وفاءه وهو عام في جميع أوامره، من الإيمان، والطاعة، ونواهيه، ووصاياه، فيدخل في ذلك ما عهده تعالى إليهم في التوراة، من اتّباع محمد صلّى الله عليه وسلّم والعهد: حفظ الشيء ومراعاته حالا فحالا، والمراد منه هنا: الموثق. والوصية والعهد هنا مضاف إلى الفاعل {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} بما ضمنت لكم من الجزاء؛ أي: أتّمم جزاءكم بحسن الإثابة، والقبول، ودخول الجنة، والعهد هنا مضاف إلى المفعول، فإنّ العهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد، فإن الله عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح، بنصب الدلائل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وأوّل مراتب الوفاء منّا: هو الإتيان بكلمتي الشهادة، ومن الله حقن المال والدم، وآخرها منّا: الاستغراق في بحر التوحيد بحيث نغفل عن أنفسنا فضلا عن غيرنا، ومن الله الفوز باللّقاء الدائم.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.