للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الرازي (١): كان الرجل في الجاهلية إذا كان له على إنسان مائة درهم إلى أجل فإذا جاء الأجل، ولم يكن المديون واجدًا لذلك المال، قال الدائن: زد في المال حتى أزيد لك في الأجل، فربما جعله مائتين ثم إذا حل الأجل الثاني فعل مثل ذلك ثم إلى آجال كثيرة، فيأخذ بسبب تلك المائة أضعافها فهذا هو المراد من قوله تعالى: {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} انتهى.

وربا (٢) الجاهلية هو ما يسمى في عصرنا: بالربا الفاحش، وهو ربح مركب وهذه الزيادة الفاحشة كانت بعد حلول الأجل، ولا شيءَ منها في العقد الأول، كان يعطيه المائة بمائة وعشرة أو أكثر، أو أقل، وكأنهم كانوا يكتفون في العقد الأول بالقليل من الربح، فإذا حل الأجل، ولم يقض الدين، وهو في قبضتهم اضطروه إلى قبول التضعيف في مقابلة الإنساء، وهذا هو ربا النسيئة. قال ابن عباس رضي الله عنه إن نص القرآن الحكيم ينصرف إلى ربا النسيئة الذي كان معروفًا عندهم انتهى.

وعلى الجملة فالربا نوعان:

الأول: ربا النسيئة؛ وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو أن يؤخر دينه، ويزيده في المال، وكلما آخره زاد في المال حتى تصير المائة آلافًا مؤلفة، وفي الغالب لا يفعل مثل ذلك إلا معدمٌ محتاجٌ، فهو يبذل الزيادة ليفتدي من أسر المطالبة، ولا يزال كذلك حتى يعلوه الدين، فيستغرق جميع موجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويوقعه في المشقة والضرر. فمن رحمة الله، وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرم الربا, ولعن آكله، ومؤكله، وكاتبه، وشاهده، وآذن من لم يدعه بحربه وحرب رسوله، ولم يجىء مثل هذا الوعيد في كبيرةٍ غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر.

والنوع الثاني: ربا الفضل، كأن يبيع قطعة من الحلي كسوار بأكثر من وزنها


(١) الطبري.
(٢) الرازي.