دنانير، أو يبيع كيلة من التمر الجيد بكيلة وحفنةً من التمر الردىء مع تراضي المتبايعين، وحاجة كل منهما إلى ما أخذه، ومثل هذا لا يدخل في نهي القرآن، ولا في وعيده، ولكنه ثبت بالسنة، فقد روى ابن عمر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلًا بمثل، ولا تبيعوا الورق بالورق، إلا مثلًا بمثل، سواءً بسواءٍ، ولا تشفوا بعضه على بعض، إني أخشى عليكم الرماء" الربا.
وهذه الآية (١): هي أولى الآيات نزولًا في تحريم الربا، وآيات البقرة نزلت بعد هذه، بل هي آخر آيات الأحكام نزولًا.
وقد يقول بعض المسلمين الآن: إنا نعيش في عصر ليس فيه دولٌ إسلاميةٌ قوية تقيم أحكام الإِسلام، وتستغني عمن يخالفها في أحكامه بل زمام العالم في أيدي أمم ماديةٍ تقبض على الثروة، وبقية الشعوب عيالٌ عليها، فمن جاراها في طرق الكسب - والربا من أهم أركانه - أمكنه أن يعيش معها، وإلا كان مستعبدًا لها. أفلا تقضي ضرورةٌ كهذه على الشعوب الإِسلامية التي تتعامل مع الأوربيين كالشعب المصري مثلًا أن تتعامل بالربا كي تحفظ ثروتها؛ وتنميها وحتى لا يستنزف الأجنبي ثروتها، وهي مادة حياتها؟.
وجوابًا عن هذا نقول: إن الحرمات في الإِسلام ضربان:
١ - ضرب محرمٌ لذاته لما فيه من الضرر: ومثل هذا لا يباح إلا لضرورة كأكل الميتة وشرب الخمر، والربا المستعمل الآن هو ربا النسيئة، وهو متفق على تحريمه، فإذا احتاج المسلم إلى الاستقراض، ولم يجد من يقرضه إلا بالربا؛ فالإثم على آخذ الربا دون معطيه؛ لأن له فيه ضرورةً.
٢ - وضرب محرم لغيره: وهو ربا الافضل؛ لأنه ربما كان سببًا في ربا النسيئة، وهو يباح للضرورة والحاجة أيضًا.
والمسلم يبحث عن حاله، هل كان مضطرًا إلى الربا أم لا؟. فإن كان