للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإيمان المعتبر في حقن الدماء والأموال يكفي فيه ظاهر الحال، كما كفى معكم من قبل.

والمعنى: إذا كان الأمر كذلك .. فتبينوا، وقيسوا حاله بحالكم، وافعلوا به ما فعل بكم في أوائل أموركم، من قبول ظاهر الحال من غير وقوف على تواطىء الظاهر والباطن، وفي إعادة التبين مرة أخرى المبالغة في التحذير من ذلك الفعل والوعيد عليه، {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ} أزلًا وأبدًا {بِمَا تَعْمَلُونَ} من الأعمال الظاهرة والباطنة {خَبِيرًا}؛ أي: عالمًا فيجازيكم بحسبها إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، فلا تتهاونوا في القتل، واحتاطوا فيه.

وقرأ الجمهور (١): {إِنَّ} بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرىء بفتحها، على أن تكون معمولة لقوله: {فَتَبَيَّنُوا}؛ أي: أنه تعالى (٢) خبير بأعمالكم، لا يخفى عليه شيء من البواعث التي حفزتكم على الفعل، فإن كانت ابتغاء حظ الحياة الدنيا فهو تعالى يجازيكم على ذلك، فلا تفعلوا بل تثبتوا وتبينوا، وإن كان محض الدفاع عن الحق فهو تعالى يثيبكم على ذلك، وفي هذا وعيد وتحذير شديد من الوقوع في مثل هذا الخطأ، وكذلك فيه إرشاد إلى أن لا نحكم بتكفير من يخالفنا من أهل القبلة، والعلم الصحيح، والدعوة إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بمجرد المخالفة لنا في رأي أو عقيدة، فإنَّ مثل هذا لا يقدم عليه المسلم جزافًا، وعلينا أن ننظر بعد هذا كله إلى أن الإِسلام منع قتل من يلقي السلم، ومن بينه وبين المسلمين عهد وميثاق، إما على النصر وإما على ترك القتال، ورغب عن ابتغاء عرض الدنيا بالقتال؛ وليكون لمحض رفع العدوان والبغي، وتقرير الحق والإصلاح.

وأين هذا مما تفعله الدول الآن من القتال للربح وجمع الأموال، وهم ينقضون العهد والميثاق مع الضعفاء، ولا يلتزمون حفظ المعاهدات إلا مع الأقوياء.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.