للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصنًا. كقوله: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}؛ أي: إذا كنتم مؤمنين.

القول الرابع: إن في هذه الآية تقديمًا وتأخيرًا، فيكون هذا القيد راجعًا إلى الأيامى. ويكون تقدير الكلام؛ أي: وانكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنًا، ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء. اهـ.

وقيل (١): إن هذا الشرط ملغى. وقيل: إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن، فلا يلزم منه جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن. وهذا الوجه أقوى هذه الوجوه. فإن الأمة قد تكون غير مريدة للحلال، ولا للحرام، كما فيمن لا رغبة لها في النكاح. والصغيرة فتوصف بأنها مكرهة على الزنا مع عدم إرادتها للتحصن، فلا يتم ما قيل من أنه لا يتصور الإكراه إلا عند إرادة التحصن.

ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ أي: لا تكرهوهن أيها السادة على الزنا، لتطلبوا بهذا الإكراه حطام هذه الحياة الدنيا. والعرض (٢) ما لا يكون له ثبوت. ومنه استعار المتكلمون العرض، لما لا ثبات له قائمًا بالجوهر. كاللون والطعم. وقيل: الدنيا عرض حاضر، تنبيهًا على أن لا ثبات لها.

والمعنى: لا تفعلوا ما أنتم عليه من إكراههن على البغاء لطلب المتاع السريع الزوال من كسبهن وبيع أولادهن. وهذا التعليل أيضًا خارج مخرج الغالب.

والمعنى: أن هذا العرض هو الذي كان يحملهم على إكراه الإماء على البغاء في الغالب؛ لأن إكراه الرجل لأمته على البغاء لا لفائدة له أصلًا لا يصدر مثله عن العقلاء، فلا يدل هذا التعليل على أنه يجوز له أن يكرهها إذا لم يكن مبتغيًا بكراهها عرض الحياة الدنيا.


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.