للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التخويف بما يقتضي تلف النفس، أو تلف العضو. وأما باليسير من التخويف فلا تفسير مكرهة {إِنْ أَرَدْنَ} تلك الفتيات {تَحَصُّنًا}؛ أي: تعفيفًا عن الزنا؛ أي: جعلن أنفسهن في عفة كالحصن. وهذا (١) القيد، ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنا. وإخراج ما عداها من حكمه، بل للمحافظة على عادتهم المسمرة، حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه. وكان لعبد الله بن أبيّ ست جوارٍ جميلةٍ، وهي معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وفتيلة، يكرههن على الزنا. وضرب عليهن ضرائب، جمع ضريبة - وهي الغلة المضروبة على العبيد - والجزية، فشكت اثنتان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي معاذة ومسيكة، فنزلت.

وفيه من زيادة تقبيح حالهم وتشنيعهم على ما كانوا يفعلونه من القبائح ما لا يخفى، فإن من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه من إمائه، فضلًا عن أمرهن وإكراههن عليه، لا سيما عند إرادتهن التعفف. وفي (٢) ذلك إشارة إلى أن للسادة إكراههن على النكاح، فليس للأمة أن تمتنع على السيد إذا زوجها.

وفي "الخازن" واختلف العلماء (٣) في معنى قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} على أقوالٍ:

أحدها: إن الكلام ورد على سبب، وهو الذي ذكر في سبب نزول الآية، فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطًا فيه.

الثاني: إنما شرط إرادة التحصن؛ لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن؛ فإنها تبغي بالطبع طوعًا.

الثالث: (إنَّ) (إنْ) بمعنى إذا؛ أي: إذا أردن، وليس معناه الشرط؛ لأنه لا


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) الخازن.