للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{لَرَأَيْتَهُ}؛ أي: لرأيت ذلك الجبل - يا محمد، أو يا من يتأتى منه الرؤية - مع كونه علمًا في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه. {خَاشِعًا}؛ أي: خاضعًا ذليلًا. وهو حال من الضمير المنصوب في قوله: {لَرَأَيْتَهُ}؛ لأنه من الرؤية البصرية. {مُتَصَدِّعًا}؛ أي: متشققًا {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} سبحانه وخوفه أن يعصيه فيعاقبه.

أي (١): من شأنه وعظمته، وجودة ألفاظه وقوة مبانيه، وبلاغته، واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب، أنه لو أنزل على جبل من الجبال الكائنة في الأرض .. لرأيته - مع كونه في غاية القسوة وشدة الصلابة وضخامة الجرم - خاشعًا متصدعًا؛ أي: متشققًا من خشية الله سبحانه، حذرًا وخوفًا من أن لا يؤدّي ما يجب عليه من تعظيم كلام الله تعالى. وقرأ طلحة {مصدعًا} بإدغام التاء في الصاد.

والخلاصة (٢): لو ركب في الجبل عقل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس، ثم أنزل عليه القرآن ووعد وأوعد حسب حالكم .. لخشع وخضع وتذلل وتصدع من خشية الله تعالى، حذرًا من أن لا يؤدّي حق الله تعالى، في تعظيم القرآن والامتثال لما فيه من أمره ونهيه، والكافر المنكر أقسى منه، ولذا لا يتأثر أصلًا. قال العلماء: وهذا بيان وتمثيل وتصوير لعلو شأن القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ، أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه.

ويدل على هذا قوله: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ} إشارة إلى هذا المثل المذكور هنا وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل؛ أي: هذا القول الغريب في بيان عظمة القرآن ودناءة حال الإنسان وبيان صفتهما العجيبة، وسائر الأمثال الواقعة في القرآن. فإن لفظ المثل حقيقة عرفية في القول السائر، ثم يستعار لكل أمر غريب وصفة عجيبة الشأن، تشبيهًا له بالقول السائر في الغرابة؛ لأنه لا يخلو عن غرابة. {نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ}؛ أي: نبيّنها لهم {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ويتدبرون فيما يجب عليهم التفكر فيه، ليتعظوا بالمواعظ، وينزجروا بالزواجر. وفيه توبيخ وتقريع للكفار حيث لم يخشعوا للقرآن، ولا اتعظوا بمواعظه، ولا انزجروا بزواجره.

أي: نبينها لمصلحة التفكر ومنفعة التذكر. ولا يقتضي كون الفعل معللًا


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.