للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالحكمة والمصلحة أن لكون معللًا بالغرض حتى تكون أفعاله تعالى معللة بالأغراض؛ إذ الغرض من الاحتياج والحكمة: اللطف بالمحتاج، وبينهما فرق.

فإن قلت (١): قال في سورة الزمر: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} بصيغة المضي والإخبار عن الماضي مع أنها مكية، وقال هنا: {نَضْرِبُهَا} بصيغة المضارع والاستقبال مع أن السورة مدنية.

قلت: لعل الأول من قبيل عد ما سيحقق مما حقق لتحققه بلا خلف، والثاني من قبيل التعبير عن الماضي بالمضارع؛ لإحضار الحال الماضية، أو لإرادة الاستمرار على الأحوال، بمعنى: أن شأننا أن نضرب الأمثال للناس.

وفي الحديث: "أعطوا أعينكم حظها من العبادة" قالوا: ما حظها من العبادة يا رسول الله؟ قال: "النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه". وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب. وعن الحسن البصري رحمه الله: من لم يكن كلامه حكمة .. فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكرًا .. فهو سهو، ومن لم يكن نظره عبرة .. فهو لهو. وعن أبي سليمان رحمه الله: الفكرة في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية، والفكرة في الآخرة تورث الحكمة وتحيي القلب. وكثيرًا ما ينشد سفيان بن عيينة، ويقول:

إِذَا الْمَرْءُ كَانَتْ لَهُ فِكْرةٌ ... فَفِي كُلّ شَيْءٍ لَهُ عِبْرَةٌ

وعن بعضهم أنه قال: من عجز عن ثمانية .. فعليه بثمانية أخرى لينال فضلها. من أراد فضل صلاة الليل، وهو نائم .. فلا يعص بالنهار، ومن أراد فضل صيام التطوع وهو مفطر .. فليحفظ لسانه عما لا يعنيه، ومن أراد فضل العلماء .. فعليه بالتفكر، ومن أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد في بيته .. فليجاهد الشيطان، ومن أراد فضل الصدقة وهو عاجز .. فليعلم الناس ما سمع من العلم، ومن أراد فضل الحجّ وهو عاجز .. فليلتزم الجمعة، ومن أراد فضل العابدين .. فليصلح بين الناس ولا يوقع العداوة، ومن أراد فضل الأبدال .. فليضع يده على صدره ويرضى لأخيه ما يرضى لنفسه.


(١) روح البيان.