للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأجلها ضم ذكر النبي، - صلى الله عليه وسلم -، إلى ذكرهم.

ثم وصف الله سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار بقوله: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} - صلى الله عليه وسلم - ولم يتخلفوا عنه، {فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} والمشقة؛ أي: (١) في الزمان الذي صعب عليهم الأمر جدًّا في السفر إلى تبوك وكانت لهم عسرة من الزاد، وعسرة من الظهر، وعسرة من الحر، وعسرة من الماء، فربما مص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها، حتى لا يبقى من التمرة إلا النواة، وكان معهم شيء من شعير مسوس، فكان أحدهم إذا وضع اللقمة في فيه أخذ أنفه من نتن اللقمة، وكانت العشرة من المسلمين يخرجون على بعير واحد يعتقبونه بينهم، وكانوا قد خرجوا في قيظ شديد، وأصابهم فيه عطش شديد، حتى إن الرجل لينحر بعيره، فيعصر فرثه ويشربه، وكانت تلك الغزوة تسمى غزوة العسرة، وجيشها يسمى جيش العسرة.

وقد ذكر بعض العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سار إلى تبوك في سبعين ألفًا ما بين راكب وماش من المهاجرين والأنصار، وغيرهم من سائر القبائل، اهـ "خازن". والمراد بالساعة هنا، مطلق الوقت والزمن، لا الساعة الفلكية كما أشرنا إليه في الحل.

وقوله: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ} إلخ بيان (٢) لتناهى الشدة وبلوغها النهاية؛ أي: الذين اتبعوه في وقت المشقة والشدة {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ}؛ أي: من بعد ما قرب أن تميل قلوب بعضهم إلى أن يفارق النبي - صلى الله عليه وسلم -، في ذلك الغزو لحر شديد، ولم ترد الميل عن الدين، وربما وقع في قلوب بعضهم أنا لا نقدر على قتال الروم، وكيف لنا بالخلاص منها؛ ولكنهم صبروا واحتسبوا، وندموا على ما خطر في قلوبهم، فلأجل ذلك قال تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: عفا الله عنهم ما وقع في قلوبهم من تلك الخواطر والوساوس، لما صبروا وندموا على ذلك الهم، يعني، أنه سبحانه وتعالى علم إخلاص نيتهم،


(١) المراح.
(٢) الفتوحات.