وتعالى على النبي والمهاجرين وعلى الثلاثة، {الَّذِينَ خُلِّفُوا}؛ أي: أخروا في قبول توبتهم عن الطائفة الأولى التي خلطت عملًا صالحًا وآخر سيئًا كأبي لبابة وأصحابه وهؤلاء الثلاثة، هم كعب بن مالك الشاعر، وهلال بن أمية، الذي نزلت فيه آية اللعان، ومرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار، وهم المرادون بقوله سبحانه:{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} وكلمة إذا في قوله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ} زائدة، وفي "الفتوحات" ولا بد من ادعاء أحد أمرين، إما ادعاء زيادة إذا وإما ادعاء زيادة ثم، وقد نص "زكريا على البيضاوي" على زيادة ثم وغيره على زيادة إذا؛ أي: أخر أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض {بِمَا رَحُبَتْ}؛ أي: مع رحبها وسعتها بسبب مجانبة الأحباء، ونظر الناس لهم بعين الإهانة والتحقير؛ لأن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، كان معرضًا عنهم ومنع المؤمنين من مكالمتهم وأمرهم باعتزال أزواجهم، وبقوا على هذه الحالة خمسين ليلة.
والمعنى: خلفوا عن التوبة حتى شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم على رحبها وسعتها بالخلق جميعًا، خوفًا من العاقبة وجزعًا من إعراض النبي، - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنين عنهم، وهجرهم إياهم في المجالسة والمحادثة، وهذا مثل للحيرة في الأمر، كأنهم لا يجدون فيها مكانًا يقرون فيه قلقًا وجزعًا مما هم فيه قال قائلهم:
ثم ترقى وانتقل من ضيق الأرض عليهم إلى ضيقهم في أنفسهم فقال:{وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ}؛ أي: وأخروا إلى أن ضاقت قلوبهم إذا رجعوا إلى أنفسهم لا يطمئنون بشيء، بسبب تأخير أمرهم من قبول التوبة.
والمعنى: وضاقت أنفسهم على أنفسهم لما كانوا يشعرون به من ضيق صدورهم، بامتلائها بالهم والغم حتى لا متسع فيها لشيء من البسط والسرور، فكانهم لا يجدون لأنفسهم مكانًا ترتاح إليه وتطمئن به.
{وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ}؛ أي: وأخروا إلى أن ظنوا وأيقنوا