المحراب المذكور في قوله:{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ}، وهذا يدل على مشروعية الصلاة في شريعتهم، وقيل: المراد بالصلاة هنا: الدعاء، وفيه أيضًا دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات، وفيه إجابة الدعوات وقضاء الحاجات، وقال ابن عطاء: ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر، وإخلاص الطاعات، ولزوم المحاريب. {أنَّ اللَّهَ} تعالى {يُبَشِّرُكِ} بولادة ولد يسمى {بِيَحْيَى} منك ومن امرأتك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تَسمَّى يحيى؛ لأن الله أحيا به عقر أمه، وقيل: لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان، وقيل: لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يهتم بمعصية قط. روي أنه مر وهو طفل بصبيان يلعبون، فدعوه إلى اللعب، فقال: ما للعب خُلقت.
وقرأ ابن عامر وحمزة:{إنَّ} بكسر الهمزة على تأويل النداء بالقول، وقرأ الباقون:{أن} بفتح الهمزة على تقدير: بأن، وقرأ الجمهور:{يُبَشِركَ} بالتشديد وقرأ حمزة والكسائي {يَبْشُرك}، وفي "المختار": بَشَره بالتخفيف من البشرى، وبابه نصر ودخل. وقرأ حميد بن قيس المكي شذوذًا:{يُبشِرك} بكسر الشين مع ضم حرف المضارعة، قال الأخفش: هي ثلاثة لغات بمعنى واحد، وقرأ عبد الله بن مسعود في رواية شاذة:{يا زكريا إن الله}.
حالة كون يحيى {مُصَدِّقًا} ومؤمنا بعيسى ابن مريم المخلوق بلا واسطة أب، بل {بِكَلِمَةٍ} كن الواقعة {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، لا بالسنة العامة في توالد البشر، وهي أن يكون الولد من أب وأم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن يحيى كان أكبر سنًّا من عيسى بستة أشهر، وقيل: بثلاث سنين، وكان يحيى أول من آمن وصدق بأنه كلمة لله، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى بمدة يسيرة. {و} حالة كون يحيى {سيدًا}؛ أي: رئيسًا يسود ويفوق قومه، والناس جميعًا في الشرف والصلاح وعمل الخير، وفي العلم والحلم والورع، وقال ابن عباس: أي: حليمًا عن الجهل. وقال مجاهد: كريمًا على الله {و} حالة كونه {حصورًا}؛ أي: مانعًا نفسه من النساء للعفة والزهد، لا للعجز عنها {و} حالة كونه {نبيًّا} مرسلًا يوحى إليه إذا هو بلغ سن النبوة، وحالة كونه ناشئًا {مِّنَ}